وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ).
أخبر أنهم يؤذون النبي ، ولم يبين بما كانوا يؤذونه ، فيحتمل : يؤذون النبي بتكذيبهم إياه ، وتركهم الإجابة له والطاعة فيما يدعوهم إليه.
ويحتمل : يؤذونه بكلمات يسمعونه ، وطعن يطعنونه ، ويعيبون عليه (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ).
قيل (١) : الأذن هو الذي يقبل العذر ممن اعتذر إليه ، ويسمع [من كل أحد يعتذر إليه ويقبل ، وكذلك كان صلىاللهعليهوسلم يقبل العذر ممن اعتذر إليه ويسمع](٢) منه سواء كان له عذر أو لا عذر له ؛ لكرمه وشرفه ، وحسن خلقه ، فظن أولئك لما رأوه أنه كان يعاملهم معاملة أهل الكرم والشرف والمجد أنه إنما يعاملهم هذه المعاملة لسلامة قلبه ، وصغر همته ، وقصور يده ، وهم كانوا أهل كبر وأنفة ، قالوا : هو أذن ، نقول ما شئنا ثم نتخلف ونعتذر إليه فيصدقنا ، ويقبل عذرنا ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (قُلْ) يا محمد (أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) أي : الذي يقبل العذر ويسمع خير لكم من الذي لا يقبل ولا يسمع ، فكيف تؤذونه ، وتطعنون [عليه](٣) ، وتعيبونه ، ولا تصدقونه ولا تؤمنون به؟ يخبر عن سفههم.
قال أبو عوسجة (٤) : الأذن : الذي من قال له شيئا ، أو حدثه حديثا ، صدقه واستمع منه ، وكذلك كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصدق كل من قال له شيئا أو حدثه حديثا ، واستمع منه ؛ لكرمه ، وشرفه ، ومجده ، وحسن خلقه ، لا لما ظن أولئك.
وقيل : يقولون : هو أذن ، أي : يسر في نفسه ويكتم ، ولا يكافئ من آذاه ، ولا يجازيه ؛ قال الله : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ).
وقال بعضهم (٥) : (يُؤْمِنُ بِاللهِ) ، أي : يصدق بالله بما ينزل عليه من آياته.
(وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) ، أي : يصدقهم فيما بينهم من شهاداتهم ، وأيمانهم على حقوقهم ، وفروجهم ، وأموالهم.
ويحتمل قوله : يؤمن بالله ويصدقه بما يخبره من سرّ المنافقين ، وما استكتمتوه منه من
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (١٦٩١٦) (١٦٩١٧) عن ابن عباس وقتادة بنحوه.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه ابن جرير (٦ / ٤٠٦) (١٦٩١٨ ، ١٦٩١٩) عن مجاهد بنحوه.
(٥) أخرجه ابن جرير (٦ / ٤٠٦) (١٦٩٢١) عن ابن عباس.
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٥٤) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ولأبي الشيخ عن الضحاك.