الإسلام ، وعز الدين ، وصار أولئك إذ لا يحمد الله ، فقد ارتفع ذلك وذهب ؛ إذ قوي المسلمون وكثروا ، فيقاتلون حتى يسلموا ، وعلى ذلك جاء الخبر عن أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ فدل على ما ذكرنا.
روي أن الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن (١) جاءا إلى أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ فقالا : يا خليفة رسول الله ، إن عندنا أرضا سبخة (٢) ، ليس فيها كلأ ولا منفعة ، فإن رأيت [أن](٣) تقطعناها ، فأقطعنا إياها ، وكتب لهما عليها كتابا ، وأشهد عمر ـ رضي الله عنه ـ وليس في القوم (٤) ، فانطلقا إلى عمر ليشهداه ، فلما سمع عمر ما في الكتاب ، فتناوله من أيديهما ، ثم نظر فيه ، فمحاه ، فتذمرا وقالا له مقالة سيئة ، فقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يتألفكما والإسلام يومئذ قليل ، وإن الله ـ تعالى ـ قد أعز الإسلام ، اذهبا فاجهدا جهدكما ، لا أرعى الله عليكما إن رعيتما (٥).
ونحن نذهب إلى هذا الحديث ؛ لأن أبا بكر لم ينكر على عمر قوله وفعله ، فصار ذلك وفاقا منه له ، فكفى بقولهما حجة لنا.
ولنا في ذلك وجهان من الحجج :
أحدهما : أن النبي ـ عليهالسلام ـ كان يعاهد قوما وهو إلى مداراتهم ومعاهدتهم محتاج ؛ لما ذكرنا من قلة أهل الإسلام وضعفهم ، فلما أعز الله الإسلام وأكثر أهله ردّ إلى أهل العهود عهودهم ، ثم أمر بمحاربتهم جميعا.
والثاني : ما قال الله ـ تعالى ـ : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) [الأنفال : ٦٧] فكانت الحال الثانية التي عز فيها الإسلام وقوي أهله وعزوا
__________________
(١) عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية ، بالجيم ، مصغرا ، ابن لوذان بن ثعلبة بن عدي ابن فزارة الفزاري ، أبو مالك.
يقال : كان اسمه حذيفة فلقب عيينة ؛ لأنه كان أصابته شجة فجحظت عيناه.
قال ابن السكن : له صحبة ، وكان من المؤلفة ، ولم يصح له رواية.
أسلم قبل الفتح ، وشهدها ، وشهد حنينا ، والطائف ، وبعثه النبي صلىاللهعليهوسلم لبني تميم فسبى بعض بني العنبر ، ثم كان ممن ارتد في عهد أبي بكر ، ومال إلى طلحة فبايعه ، ثم عاد إلى الإسلام.
ينظر : أسد الغابة ت (٤١٦٦) ، والاستيعاب ت (٢٠٧٨) ، والإصابة (٤ / ٦٣٨ ، ٦٣٩).
(٢) أرض ذات ملح ونزّلا تكاد تنبت كما في المعجم الوسيط (١ / ٤١٣) (سبخ).
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : قوم.
(٥) أخرجه البيهقي في الكبرى (٧ / ٢٠) كتاب الصدقات باب سقوط سهم المؤلفة قلوبهم ... عن عبيدة السلماني ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٥١) وعزاه لابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني.