يقوم فيسأل الناس» (١).
فهذا لو حمل على ظاهره لدفع قول من قال : إن المسكين هو الذي يسأل الناس ، ولكن يجوز أن يكون معناه ـ والله أعلم ـ أن الذي يسأل وإن كان عندكم مسكينا ، فإن الذي لا يسأل أشد مسكنة منه ، ولا يحمل على غير ذلك ؛ لأن الله قد سمى الذين لا يسألون الناس فقراء ، ولا يجوز أن يجعل الحديث مخالفا للآية ما أمكن أن يكون موافقا لها ؛ قال الله ـ تعالى ـ :
(يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) [البلد : ١٥ ـ ١٦].
فقوله (ذا مَتْرَبَةٍ) قيل : هو الذي لا حائل بينه وبين التراب لفقره ؛ فدل بذلك ـ والله أعلم ـ على أن المسكين هو الشديد الفقر ، والفقير هو الذي لا يملك شيئا ، ولم يبلغ في الفقر والضرورة حال المسكين ، ويدل لذلك قول عمر : ليس المسكين من لا مال له ، ولكن المسكين من لا مكسب له ؛ كأنه يقول : إن الذي لا مال له وله مكسب هو فقير ، والمسكين أشد حالا من الفقير ، وليس له مال ولا مكسب.
وإن حمل قول النبي ـ عليهالسلام ـ : «ليس المسكين الذي يسأل ، ولكن المسكين الذي لا يفطن له ولا يسأل» على أن ذلك الذي لا يفطن به هو أشد مسكنة من الآخر ، وإن كان الآخر مسكينا ـ أيضا ـ كان موافقا للمعنى الذي ذكرنا ؛ لأنا قلنا : إن المسكين هو الشديد الفقر ، وقد يكون فقيرا وإن لم يبلغ به الضر مبلغ الضر الأول.
وقد يخرج قول من قال : إن المسكين الذي يخرج هذا المخرج ؛ لأن من شأن المسلم الفقير أنه يتحمل ما كانت له حيلة ، ويتعفف ، ولا يخرج فيسأل وله حيلة (٢) فخروجه يدل على شدة ضيقه ، وعلى الزيادة في سوء حاله ، فكان القولان جميعا يرجعان إلى معنى واحد.
وإذا كان الفقير أحسن حالا من المسكين لما ذكرنا ، فقد يجوز أن تدفع الصدقة إلى من له مال قليل ؛ لأنه فقير ، وإن لم يكن حاله في فقره حال المسكين الذي لا يملك شيئا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها).
اختلف فيه :
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ٥٠) كتاب التفسير باب (لا يسألون الناس إلحافا) (٤٥٣٩) ، ومسلم (٢ / ٧١٩) كتاب الزكاة باب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه (١٠١ / ١٠٣٩).
(٢) في أ : حيل.