فإن قيل : روي عن معاذ : قال : أمرني رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن آخذ من كل حالم وحالمة دينارا.
وفي بعض الروايات عنه أنه قال : أن آخذ من كل حالم ذكرا أو أنثى دينارا ؛ فإن كان هذا مثبتا محفوظا ، فهو دليل لما يؤخذ من نصارى بني تغلب (١) ، ويكون حكم نساء
__________________
ـ أبناء المشركين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وهم من آبائهم» ؛ ثم جاء النهي بعد ذلك. وذكر الأحاديث التي فيها النهي عن قتل النساء والذرية.
قلت : لم يشرع رسول الله صلىاللهعليهوسلم قتل النساء والذرية في شيء من مغازيه البتة. والنبي صلىاللهعليهوسلم نهى عن قتل النساء والذرية في مغازيه قبل إرسال معاذ إلى اليمن كما في الصحيحين من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم قتل النساء والصبيان. ورأى الناس في بعض غزواته مجتمعين على شيء ، فبعث رجلا فقال : انظر علام اجتمع هؤلاء. فجاء فقال : امرأة قتيل ، فقال : «ما كانت هذه لتقاتل». وكان على المقدمة خالد ابن الوليد فبعث رجلا فقال : «قل لخالد : لا يقتلن امرأة ولا عسيفا» وفي لفظ : «لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا» ، ذكره أحمد.
وفي سنن أبي داود عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا ولا صغيرا ، ولا امرأة ، ولا تغلوا ، وضموا غنائمكم ، وأصلحوا وأحسنوا ، إن الله يحب المحسنين».
بل النهي عن قتل النساء وقع يوم الخندق ويوم خيبر ، كما في المسند من حديث ابن كعب بن مالك عن عمه أن النبي صلىاللهعليهوسلم حين بعث إلى ابن أبي الحقيق بخيبر نهى عن قتل النساء والصبيان.
وفي (المعجم) للطبراني من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم مر بامرأة يوم الخندق مقتولة. فقال : «من قتل هذه؟» فقال رجل : أنا يا رسول الله ، قال : ولم؟ قال نازعتني سيفي. فسكت». وهذا كله كان قبل إرسال معاذ إلى اليمن ، فالصواب أن ذكر الحالمة في الحديث غير محفوظ. والله أعلم.
ينظر : أحكام أهل الذمة (١ / ٤٢ ـ ٤٥).
(١) بنو تغلب بن وائل بن ربيعة بن نزار ، من صميم العرب ، انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية ، وكانوا قبيلة عظيمة لهم شوكة قوية ، واستمروا على ذلك حتى جاء الإسلام فصولحوا على مضاعفة الصدقة عليهم عوضا من الجزية ، واختلفت الرواية متى صولحوا؟
ففي (سنن أبي داود) من حديث إبراهيم بن مهاجر عن زياد بن حدير قال : قال علي : (لئن بقيت لنصارى بني تغلب لأقتلن المقاتلة ، ولأسبين الذرية ، فإني كتبت الكتاب بينهم وبين النبي صلىاللهعليهوسلم ألا ينصروا أبناءهم). لكن قال أبو داود : (هذا حديث منكر ، بلغني عن أحمد بن حنبل أنه كان ينكر هذا الحديث إنكارا شديدا). وقال أبو علي اللؤلئي : (لم يقرأه أبو داود في العرضة الثانية) انتهى.
وإبراهيم بن مهاجر ضعفه غير واحد ، والمشهور أن عمر هو الذي صالحهم. قال أبو عبيد : ثنا أبو معاوية ، ثنا أبو إسحاق الشيباني عن السفاح عن داود بن كردوس قال : صالحت عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عن بني تغلب ـ بعد ما قطعوا الفرات ، وأرادوا أن يلحقوا بالروم ـ على ألا يصبغوا صبيّا ولا يكرهوا على دين غير دينهم ، وعلى أن عليهم العشر مضاعفا من كل عشرين درهما درهم. فكان داود يقول : ليس لبني تغلب ذمة ، قد صبغوا في دينهم.
قال أبو عبيد : قوله : (لا يصبغوا في دينهم) يعني لا ينصروا أولادهم. قال أبو عبيد : وكان ـ