العرب من أهل الكتاب فيما يؤخذ منهم خلاف نساء العجم منهم.
أو أن يقال : إنه غير محفوظ ؛ لما عمل (١) الأمة بخلافه ؛ لأن الوفاق قد جرى على أن لا جزية على النساء ، ولو كان محفوظا لظهر العمل به.
أو أن يكون قوله : «خذ من كل حالم [وحالمة](٢) دينارا» ، أي : خذ منهما دينارا ولا
__________________
ـ عبد السلام بن حرب الملائي يزيد في إسناد هذا الحديث ـ بلغني ذلك عنه ـ عن الشيباني عن السفاح عن داود عن عبادة بن النعمان عن عمر. وحدثني سعيد بن سليمان عن هشيم قال : ثنا مغيرة عن السفاح بن المثنى عن زرعة بن النعمان ـ أو النعمان بن زرعة ـ أنه سأل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وكلمه في نصارى بني تغلب ، وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ قد هم أن يأخذ منهم الجزية ، فتفرقوا في البلاد ، فقال النعمان لعمر : يا أمير المؤمنين ، إن بني تغلب قوم عرب ، يأنفون من الجزية ، وليست لهم أموال ، إنما هم أصحاب حروث ومواش ، ولهم نكاية في العدو ، فلا تعن عدوك عليك بهم. فصالحهم عمر ـ رضي الله عنه ـ على أن أضعف عليهم الصدقة ، واشترط عليهم ألا ينصروا أولادهم. قال مغيرة : فحدثت أن عليّا قال : لئن تفرغت لبني تغلب ليكونن لي فيهم رأي : لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذراريهم ، فقد نقضوا العهد ، وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم. وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن زياد بن حدير : أن عمر ـ رضي الله عنه ـ أمره أن يأخذ من نصارى بني تغلب العشر ، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر.
قال أبو عبيد : (والحديث الأول ـ حديث داود بن كردوس وزرعة ـ هو الذي عليه العمل : أن يكون عليهم الضعف مما على المسلمين ، ألا تسمعه يقول : من كل عشرين درهما درهم؟ وإنما يؤخذ من المسلمين إذا مروا بأموالهم على العاشر من كل أربعين درهما درهم : فذلك ضعف هذا ، وهو المضاعف الذي اشترط عمر عليهم. وكذلك سائر أموالهم من المواشي والأرضين يكون عليها في تأويل هذا الحديث : الضعف أيضا ، فيكون في كل خمس من الإبل شاتان ، وفي العشر أربع شياه ثم على هذا ما زادت ، وكذلك الغنم والبقر ، وعلى هذا الحب والثمار : فيكون ما سقته السماء فيه عشران ، وفيما سقي بالغرب عشر. وفي حديث عمر ـ رضي الله عنه ـ وشرطه عليهم : أن يكون على أموال نسائهم وصبيانهم مثل ما على أموال رجالهم. وكذلك يقول أهل الحجاز). انتهى.
فهذا الذي فعله عمر ـ رضي الله عنه ـ وافقه عليه جميع الصحابة والفقهاء بعدهم. ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه أبي عليهم إلا الجزية وقال : (لا والله إلا الجزية وإلا فقد آذنتم بالحرب). ولعله رأي أن شوكتهم ضعفت ، ولم يخف منهم ما خاف عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فإن عمر ـ رضي الله عنه ـ كان بعد مشغولا بقتال الكفار وفتح البلاد ، فلم يأمن أن يلحقوا بعدوه فيقوونهم عليه ، وعمر أمن ذلك. وأما على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فقال : (لئن بقيت لهم لأقتلن مقاتلتهم ، ولأسبين ذريتهم ؛ فإنهم نقضوا العهد ونصروا أولادهم).
وعلى هذا ، فلا تجرى هذه الأحكام التي ذكرها الفقهاء فيهم ، فإنهم ناقضون للعهد ، ولكن العمل على جريانها عليهم ، فلعل بعض الأئمة جدد لهم صلحا : على أن حكم أولادهم ، حكمهم ، كسائر أهل الذمة. والله أعلم.
ينظر : أحكام أهل الذمة (١ / ٧٥ ـ ٧٩).
(١) في أ : علم.
(٢) سقط في أ.