ثم في قوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) دلالة على أن الجزية إنما تؤخذ ممن يجب أن يقاتل إن لم يبذلها ، والنساء والصبيان [لا يقاتلون](١) ولا يقتلن إن ظهر بهم ، فلا يجب أن توضع عليهم الجزية بدليل الكتاب ؛ إذ (٢) كان الله إنما أمر أن تؤخذ الجزية ممن يقاتل ، وكذلك فعل عمر والأئمة بعده.
روي أن عمر ـ رضي الله عنه ـ كتب إلى أمراء (٣) الجيوش : لا تقاتلوا إلا من قاتلكم ، ولا تقتلوا الصبيان والنساء ، ولا تقتلوا إلا من جرت عليه المواسي (٤).
وكتب إلى عماله : أن يضربوا الجزية ، ولا يضربوها على النساء والصبيان.
وفي بعض الروايات أنه كتب إلى أمراء (٥) الأجناد : ألا تأخذوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي ، قال : والجزية أربعون درهما أو أربعة (٦) دنانير.
[و](٧) في خبر معاذ دلالة لذلك ؛ حيث قال : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى اليمن ، وأمرني أن آخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافريّا.
بين معاذ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمره أن يأخذ ذلك من الرجال دون النساء والصبيان (٨).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : لما.
(٣) في أ : أمير.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة (٦ / ٤٢٨) (٣٢٦٣٦) ، والبيهقي في الكبرى (٩ / ١٩٨) كتاب الجزية باب من يرفع عنه الجزية.
(٥) في أ : آمير.
(٦) في أ : وأربعة.
(٧) سقط في ب.
(٨) ولا جزية على صبي ولا امرأة ولا مجنون. هذا مذهب الأئمة الأربعة وأتباعهم. قال ابن المنذر : ولا أعلم عن غيرهم خلافهم. وقال أبو محمد في (المغني): (لا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذا).
قال أبو عبيد : ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، ثنا أيوب عن نافع عن أسلم مولى ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن عمر ـ رضي الله عنه ـ كتب إلى أمراء الأجناد أن يقاتلوا في سبيل الله ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، ولا يقتلوا النساء ولا الصبيان ، ولا يقتلوا إلا من جرت عليه المواسي. قال أبو عبيد : يعني من أنبت. وهذا الحديث هو الأصل فيمن تجب عليه الجزية ومن لا تجب عليه. ألا تراه إنما جعلها على الذكور المذكورين دون الإناث والأطفال ، وأسقطها عمن لا يستحق القتل : وهم الذرية. وقد جاء في كتاب النبي صلىاللهعليهوسلم إلى معاذ باليمن : (خذ من كل حالم دينارا) ، تقوية لقول عمر ـ رضي الله عنه ـ ألا تراه صلىاللهعليهوسلم خص الحالم دون المرأة والصبي؟ إلا أن في بعض ما ذكرنا من كتبه : (الحالم والحالمة) فنرى ـ والله أعلم ـ أن المحفوظ المثبت من ذلك هو الحديث الذي لا ذكر للحالمة فيه ؛ لأنه الأمر الذي عليه المسلمون ، وبه كتب عمر ـ رضي الله عنه ـ إلى أمراء الأجناد. فإن يكن الذي فيه ذكر الحالمة محفوظا فإن وجهه عندي أن يكون ذلك كان في أول الإسلام ؛ إذ كان نساء المشركين وولدانهم يقتلون مع رجالهم ، وقد كان ذلك ثم نسخ. ثم ذكر حديث الصعب بن جثامة الذي في صحيح البخاري : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث سرية فأصابت من ـ