__________________
ـ فنقضوا عهده).
فإن قيل : فرسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أقر أهل خيبر بها إلى أن قبضه الله وهى من جزيرة العرب ، وأصرح من هذا أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي بالمدينة على ثلاثين صاعا من شعير أخذه لأهله.
قيل : أما إقرار أهل خيبر فإنه لم يقرهم إقرارا لازما ، بل قال : «نقركم ما شئنا» ، وهذا صريح في أنه يجوز للإمام أن يجعل عقد الصلح جائزا من جهته متى شاء نقضه بعد أن ينبذ إليهم على سواء ، فلما أحدثوا ونكثوا أجلاهم عمر ـ رضي الله عنه ـ فروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيبا فقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم. وقال : نقركم ما أقركم الله تعالى ، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدى عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه ، وليس لنا هناك عدو غيرهم ، هم عدونا وتهمتنا ، وقد رأيت إجلاءهم. فلما أجمع عمر ـ رضي الله عنه ـ على ذلك أتاه أحد بني الحقيق فقال : يا أمير المؤمنين ، أتخرجنا وقد أقرنا محمد وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟ فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ : أظننت أني نسيت قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كيف بك إذا خرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة» ، فقال : كانت هذه هزيلة من أبي القاسم ، فقال : كذبت يا عدو الله ، قال : فأجلاهم عمر ـ رضي الله عنه ـ وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالا وإبلا وعروضا من أقتاب وحبال وغير ذلك.
وفي صحيحه أيضا عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهل خيبر فقاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم ، وغلبهم على الأرض والزرع والنخل ، فصالحوه على أن يجلوا منها ، ولهم ما حملت ركابهم ، ولرسول الله صلىاللهعليهوسلم الصفراء والبيضاء والحلقة ـ وهي السلاح ـ ويخرجون منها ، واشترط عليهم ألا يكتموا ولا يغيبوا شيئا ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد. فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيى بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعم حيي ـ واسمه سعية ـ : «ما فعل مسك حيي الذي جاءوا به من النضير؟» ، قال : أذهبته النفقات والحروب ، فقال : «العهد قريب والمال أكثر من ذلك» ، وقد كان حيي قتل قبل ذلك ، فدفع رسول الله صلىاللهعليهوسلم سعية إلى الزبير فمسه بعذاب ، فقال : قد رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا ؛ فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة ، فقتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ابني أبي الحقيق ، وأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب ، وسبى رسول الله صلىاللهعليهوسلم نساءهم وذراريهم ، وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا ، وأراد أن يجليهم منها ، فقالوا : يا محمد ، دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها ، ولم يكن لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها ولا يفرغون أن يقوموا ، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع وثمر ما بدا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم في كل عام فيخرصها عليهم ، ثم يضمنهم الشطر ، فشكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم شدة خرصه ، وأرادوا أن يرشوه ، فقال عبد الله : أتطعمونني السحت ، والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي ، ولأنتم أبغض الناس إلى من عدلكم من القردة والخنازير ، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على ألا أعدل عليكم. فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر كل عام ، وعشرين وسقا من شعير ؛ فلما كان زمان عمر ـ رضي الله عنه ـ غشوا المسلمين ، وألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه ، فقال عمر : من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها بينهم. فقسمها عمر ـ رضي الله عنه ـ بينهم. فقال رئيسهم : لا تخرجنا ، دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر. فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ لرئيسهم : أتراه سقط على قول ـ