الاختصاص بمن كان سببا لنزول الحكم (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ) الاستفهام للإنكار ، والغاشية : ما يغشاهم ويغمرهم من العذاب كقوله تعالى : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) (١) ، وقيل : هي الساعة ، وقيل : الصواعق والقوارع ، ولا مانع من الحمل على العموم (أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) أي فجأة ، وانتصاب بغتة على الحال. قال المبرّد : جاء عن العرب حال بعد نكرة ، وهو قولهم وقع أمر بغتة ، يقال : بغتهم الأمر بغتا وبغتة ؛ إذا فاجأهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بإتيانه ، ويجوز انتصاب بغتة على أنها صفة مصدر محذوف (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) أي : قل يا محمد للمشركين هذه الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها سبيلي : أي طريقتي وسنّتي ، فاسم الإشارة مبتدأ وخبره سبيلي ، وفسّر ذلك بقوله : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ) أي على حجّة واضحة ، والبصيرة : المعرفة التي يتميّز بها الحق من الباطل والجملة في محل نصب على الحال (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) أي : ويدعو إليها من اتبعني واهتدى بهديي. قال الفرّاء : والمعنى ومن اتبعني يدعو إلى الله كما أدعو. وفي هذا دليل على أنّ كلّ متّبع لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حقّ عليه أن يقتدي به في الدعاء إلى الله ، أي : الدعاء إلى الإيمان به وتوحيده والعمل بما شرعه لعباده (وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي : وقل يا محمد لهم سبحان الله وما أنا من المشركين بالله الذين يتّخذون من دونه أندادا. قال ابن الأنباري : ويجوز أن يتمّ الكلام عند قوله : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) ، ثم ابتدأ فقال : (عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) قال : هم بنو يعقوب إذ يمكرون بيوسف. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في الآية يقول : وما كنت لديهم وهم يلقونه في غيابة الجب وهم يمكرون بيوسف. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ) قال : كم من آية في السماء يعني شمسها وقمرها ونجومها وسحابها ، وفي الأرض ما فيها من الخلق والأنهار والجبال والمدائن والقصور. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) قال : سلهم من خلقهم ومن خلق السموات والأرض فسيقولون الله ، فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره ، وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء في قوله : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) قال : كانوا يعلمون أن الله ربهم وهو خالقهم وهو رازقهم ، وكانوا مع ذلك يشركون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في الآية قال : كانوا يشركون به في تلبيتهم ، يقولون : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في الآية قال : ذلك المنافق يعمل بالرياء وهو مشرك بعمله.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ) قال : وقيعة تغشاهم : وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (هذِهِ سَبِيلِي) قل : هذه دعوتي. وأخرج أبو الشيخ عنه (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) قال : صلاتي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في
__________________
(١). العنكبوت : ٥٥.