الذي يعرف في وجوههم؟ فقيل : يكادون يسطون ، أي : يبطشون ، والسطوة : شدّة البطش ، يقال : سطا به يسطو إذا بطش به بضرب ، أو شتم ، أو أخذ باليد ، وأصل السطو : القهر.
وهكذا ترى أهل البدع المضلّة إذا سمع الواحد منهم ما يتلوه العالم عليهم من آيات الكتاب العزيز ، أو من السّنّة الصّحيحة ، مخالفا لما اعتقده من الباطل والضّلالة ؛ رأيت في وجهه من المنكر ما لو تمكّن من أن يسطو بذلك العالم لفعل به ما لا يفعله بالمشركين ، وقد رأينا وسمعنا من أهل البدع ما لا يحيط به الوصف ، والله ناصر الحقّ ، ومظهر الدين ، وداحض الباطل ، ودامغ البدع ، وحافظ المتكلمين بما أخذه عليهم ؛ المبيّنين للناس ما نزل إليهم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ثم أمر رسوله أن يردّ عليهم ، فقال : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ) أي : أخبركم (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ) الذي فيكم من الغيظ على من يتلو عليكم آيات الله ومقاربتكم للوثوب عليهم ، وهو النار التي أعدّها الله لكم ، فالنار مرتفعة على أنها خبر لمبتدأ محذوف ، والجملة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : ما هذا الأمر الذي هو شرّ ممّا نكابده ونناهده عند سماعنا ما تتلوه علينا؟ فقال هو : (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وقيل : إن النار مبتدأ وخبره جملة وعدها الله الذين كفروا ، وقيل : المعنى : أفأخبركم بشرّ ممّا يلحق تالي القرآن منكم من الأذى والتوعّد لهم والتوثّب عليهم ، وقرئ «النار» بالنصب على تقدير أعني ، وقرئ بالجرّ بدلا من شرّ (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي : الموضع الذي تصيرون إليه ، وهو النار.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (هُمْ ناسِكُوهُ) قال : يعني هم ذابحوه (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) يعني في أمر الذبح. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه أيضا. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) قول أهل الشرك : أما ما ذبح الله بيمينه فلا تأكلوه ، وأما ما ذبحتم بأيديكم فهو حلال. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ لمسيرة مائة عام ، وقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش : اكتب ، قال : ما أكتب؟ قال : علمي في خلقي إلى يوم تقوم الساعة ، فجرى القلم بما هو كائن في علم الله إلى يوم القيامة ، فذلك قوله للنبي صلىاللهعليهوسلم : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) يعني ما في السماوات السبع والأرضين السبع (إِنَّ ذلِكَ) العلم (فِي كِتابٍ) يعني في اللوح المحفوظ مكتوب قبل أن يخلق السماوات والأرضين (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) يعني : هين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (يَكادُونَ يَسْطُونَ) يبطشون.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤) اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا