ذلك بأن ولد له ضعف الذين أماتهم الله ، فيكون معنى الآية على هذا : آتيناه مثل أهله ومثلهم معهم ، وانتصاب (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) على العلّة ، أي : آتيناه ذلك لرحمتنا له (وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) أي : وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر.
واختلف في مدّة إقامته على البلاء ، فقيل : سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ليال ، وقيل : ثلاثين سنة ، وقيل : ثماني عشرة سنة (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ) أي : واذكر هؤلاء ، وإدريس هو أخنوخ ، وذا الكفل إلياس ، وقيل : يوشع بن نون ، وقيل : زكريا. والصّحيح أنه رجل من بني إسرائيل كان لا يتورّع عن شيء من المعاصي ، فتاب فغفر الله له ؛ وقيل : إن اليسع لما كبر قال : من يتكفّل لي بكذا وكذا من خصال الخير حتى أستخلفه؟ فقال رجل : أنا ، فاستخلفه وسمّي ذا الكفل. وقيل : كان رجلا يتكفّل بشأن كل إنسان إذا وقع في شيء من المهمات ، وقيل غير ذلك. وقد ذهب الجمهور إلى أنه ليس بنبيّ. وقال جماعة : هو نبيّ. ثم وصف الله سبحانه هؤلاء بالصبر فقال : (كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) أي : كلّ واحد من هؤلاء من الصابرين على القيام بما كلّفهم الله به (وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا) أي : في الجنة ، أو في النبوّة ، أو في الخير على عمومه ، ثم علّل ذلك بقوله : (إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي : الكاملين في الصلاح (وَذَا النُّونِ) أي : واذكر ذا النون ، وهو يونس بن متى ، ولقّب «ذا النون» لابتلاع الحوت له ، فإن النون من أسماء الحوت ؛ وقيل : سمّي «ذا النون» لأنه رأى صبيا مليحا فقال دسّموا نونته ؛ لئلا تصيبه العين. وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي أن نونة الصبي هي الثقبة التي تكون في ذقن الصبيّ الصغير ، ومعنى دسّموا : سوّدوا (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) أي : اذكر ذا النون وقت ذهابه مغاضبا ، أي : مراغما. قال الحسن والشعبي وسعيد بن جبير : ذهب مغاضبا لربه ، واختاره ابن جرير والقتبي والمهدوي. وحكي عن ابن مسعود. قال النحاس : وربما أنكر هذا من لا يعرف اللغة ، وهو قول صحيح. والمعنى : مغاضبا من أجل ربه ، كما تقول غضبت لك ، أي : من أجلك. وقال الضحّاك : ذهب مغاضبا لقومه. وحكي عن ابن عباس. وقالت فرقة منهم الأخفش : إنما خرج مغاضبا للملك الذي كان في وقته واسمه حزقيا ؛ وقيل : لم يغاضب ربه ولا قومه ولا الملك ، ولكنه مأخوذ من غضب إذا أنف ، وذلك أنه لما وعد قومه بالعذاب وخرج عنهم تابوا وكشف الله عنهم العذاب ، فلما رجع وعلم أنهم لم يهلكوا أنف من ذلك ، فخرج عنهم ؛ ومن استعمال الغضب في هذا المعنى قول الشاعر :
وأغضب أن تهجى تميم بعامر (١)
أي : آنف. (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) قرأ الجمهور «نقدر» بفتح النون وكسر الدال.
واختلف في معنى الآية على هذه القراءة ؛ فقيل : معناها : أنه وقع في ظنه أن الله تعالى لا يقدر على معاقبته. وقد حكي هذا القول عن الحسن وسعيد بن جبير ، وهو قول مردود ، فإن هذا الظنّ بالله كفر ، ومثل ذلك
__________________
(١). في تفسير القرطبي (١١ / ٣٣١) : بدارم.