والمراد في الآية الدروع خاصة ، وهو بمعنى الملبوس ، كالركوب والحلوب ، والجار والمجرور أعني «لكم» متعلّق ب «علّمناه» ليحصنكم من بأسكم قرأ الحسن وأبو جعفر وابن عامر وحفص وروح (لِتُحْصِنَكُمْ) بالتاء الفوقية ، بإرجاع الضمير إلى الصنعة ، أو إلى اللبوس بتأويل الدرع. وقرأ شيبة وأبو بكر والمفضل وابن أبي إسحاق «لنحصنكم» بالنون بإرجاع الضمير إليه سبحانه. وقرأ الباقون بالياء بإرجاع الضمير إلى اللبوس ، أو إلى داود ، أو إلى الله سبحانه. ومعنى (مِنْ بَأْسِكُمْ) من حربكم ، أو من وقع السلاح فيكم (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) لهذه النعمة التي أنعمنا بها عليكم ، والاستفهام في معنى الأمر. ثم ذكر سبحانه ما خصّ به سليمان ، فقال (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) أي : وسخرنا الريح (عاصِفَةً) أي : شديدة الهبوب. يقال : عصفت الريح ، أي : اشتدت ، فهي ريح عاصف وعصوف ، وانتصاب الريح على الحال. وقرأ عبد الرحمن الأعرج والسلمي وأبو بكر «ولسليمان الرّيح» برفع الريح على القطع مما قبله ، ويكون مبتدأ وخبره «تجري». وأما على قراءة النصب فيكون محل (تَجْرِي بِأَمْرِهِ) النصب أيضا على الحالية ، أو على البدلية (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) وهي أرض الشام كما تقدّم. (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) أي : بتدبير كلّ شيء (وَمِنَ الشَّياطِينِ) أي : وسخّرنا من الشياطين (مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) في البحار ويستخرجون منها ما يطلبه منهم ، وقيل : إن «من» مبتدأ وخبره ما قبله ، والغوص : النزول تحت الماء ، يقال : غاص في الماء ، والغوّاص : الذي يغوص في البحر على اللؤلؤ. (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) قال الفراء : أي سوى ذلك ، وقيل : يراد بذلك المحاريب والتماثيل وغير ذلك ممّا يسخرهم فيه (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) أي : لأعمالهم. وقال الفرّاء : حافظين لهم من أن يهربوا أو يتمنّعوا ، أو حفظناهم من أن يخرجوا عن أمره. قال الزجاج : كان يحفظهم من أن يفسدوا ما عملوا ، وكان دأبهم أن يفسدوا بالليل ما عملوا بالنهار (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ) معطوف على ما قبله ، والعامل فيه : إما المذكور أو المقدّر كما مرّ ، والعامل في الظرف وهو «إذ نادى ربه» هو العامل في أيوب (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) أي : بأني مسني الضرّ. وقرئ بكسر «إني».
واختلف في الضرّ الذي نزل به ماذا هو ، فقيل : إنه قام ليصلي فلم يقدر على النهوض ؛ وقيل : إنه أقرّ بالعجز ، فلا يكون ذلك منافيا للصبر ؛ وقيل : انقطع الوحي عنه أربعين عاما ؛ وقيل : إن دودة سقطت من لحمه ؛ فأخذها وردّها في موضعها فأكلت منه ، فصاح : مسني الضرّ ؛ وقيل : كان الدود تناول بدنه فيصبر حتى تناولت دودة قلبه ؛ وقيل : إن ضرّه قول إبليس لزوجته اسجدي لي ، فخاف ذهاب إيمانها ؛ وقيل : إنه تقذّره قومه ؛ وقيل : أراد بالضرّ الشماتة ، وقيل غير ذلك. ولما نادى ربه متضرّعا إليه وصفه بغاية الرحمة فقال : (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فأخبر الله سبحانه باستجابته لدعائه ، فقال : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) أي : شفاه الله ممّا كان به ، وأعاضه بما ذهب عليه ، ولهذا قال سبحانه : (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) قيل : تركهم الله عزوجل له ، وأعطاه مثلهم في الدنيا. قال النحّاس : والإسناد بذلك صحيح ، وقد كان مات أهله جميعا إلا امرأته ، فأحياهم الله في أقلّ من طرف البصر ، وآتاه مثلهم معهم ، وقيل : كان