لهما ، والمعونة على فرعون ، ومعنى (أَسْمَعُ وَأَرى) إدراك ما يجري بينهما وبينه بحيث لا يخفى عليه سبحانه منه خافية ، وليس بغافل عنهما ، ثم أمرهما بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعد أمرهما بالذهاب إليه ، فلا تكرار (فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) أرسلنا إليك (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : خلّ عنهم وأطلقهم من الأسر (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) بالبقاء على ما كانوا عليه ، وقد كانوا عند فرعون في عذاب شديد : يذبح أبناءهم ، ويستحيي نساءهم ، ويكلفهم من العمل ما لا يطيقونه. ثم أمرهما سبحانه أن يقولا لفرعون (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) قيل : هي العصا واليد ، وقيل : إن فرعون قال لهما : وما هي؟ فأدخل موسى يده في جيب قميصه ، ثم أخرجها لها شعاع كشعاع الشمس ، فعجب فرعون من ذلك ، ولم يره موسى العصا إلا يوم الزّينة (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) أي : السلامة. قال الزّجّاج : أي : من اتبع الهدى سلم من سخط الله عزوجل ومن عذابه ، وليس بتحية. قال : والدليل على ذلك أنه ليس بابتداء لقاء ولا خطاب. قال الفراء : السلام على من اتبع الهدى ، ولمن اتبع الهدى سواء (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا) من جهة الله سبحانه (أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) المراد بالعذاب : الهلاك والدمار في الدنيا والخلود في النار ، والمراد بالتكذيب : التكذيب بآيات الله وبرسله ، والتولي : الإعراض عن قبولها والإيمان بها (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) أي : قال فرعون لهما : فمن ربكما؟ فأضاف الربّ إليهما ولم يضفه إلى نفسه لعدم تصديقه لهما ولجحده للربوبية ، وخصّ موسى بالنداء لكونه الأصل في الرسالة ، وقيل : لمطابقة رؤوس الآي (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) أي : قال موسى مجيبا له ، و «ربنا» مبتدأ ، وخبره (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) ، ويجوز أن يكون «ربنا» خبر مبتدأ محذوف ، وما بعده صفته ، قرأ الجمهور (خَلْقَهُ) بسكون اللام ، وروى زائدة عن الأعمش أنه قرأ «خلقه» بفتح اللام على أنه فعل ، وهي قراءة ابن أبي إسحاق ، ورواها نصير عن الكسائي. فعلى القراءة الأولى يكون خلقه ثاني مفعولي أعطى. والمعنى : أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به المطابقة له ؛ كاليد للبطش ، والرجل للمشي ، واللسان للنطق ، والعين للنظر ، والأذن للسمع ، كذا قال الضحّاك وغيره. وقال الحسن وقتادة : أعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه. وقال مجاهد : المعنى لم يخلق خلق الإنسان في خلق البهائم ، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان ، ولكن خلق كلّ شيء فقدّره تقديرا ، ومنه قول الشاعر :
وله في كلّ شيء خلقة |
|
وكذاك الله ما شاء فعل |
وقال الفرّاء : المعنى : خلق للرجل المرأة ، ولكل ذكر ما يوافقه من الإناث ، ويجوز أن يكون خلقه على القراءة الأولى هو المفعول الأوّل لأعطى ، أي : أعطى خلقه كلّ شيء يحتاجون إليه ، ويرتفقون به ، ومعنى (ثُمَّ هَدى) أنه سبحانه هداهم إلى طرق الانتفاع بما أعطاهم فانتفعوا بكل شيء فيما خلق له ، وأما على القراءة الآخرة ، فيكون الفعل صفة للمضاف أو للمضاف إليه ، أي : أعطى كل شيء خلقه الله سبحانه ولم يخله من عطائه ، وعلى هذه القراءة يكون المفعول الثاني محذوفا : أي أعطى كل شيء خلقه ما يحتاج إليه ، فيوافق معناها معنى القراءة الأولى.