وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره ، والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط عليهم أن يخرجوني ، ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول ، ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ، ولكنه أراد أن يكون له العذر». وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ) يقول : تخزنون ، وفي قوله : (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) يقول : الأعناب والدهن. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله : (فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) يقول : يصيبهم فيه غيث (يَعْصِرُونَ) يقول : يعصرون فيه العنب ويعصرون فيه الزبيب ويعصرون من كل الثمرات. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضا (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) قال : يحتلبون. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضا (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ) قال : أخبرهم بشيء لم يسألوه عنه كأنّ الله قد علمه إياه فيه يغاث الناس بالمطر. وفيه يعصرون السّمسم دهنا ، والعنب خمرا ، والزيتون زيتا.
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧))
قوله : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) في الكلام حذف قبل هذا ، والتقدير : فذهب الرسول إلى الملك فأخبره بما أخبره به يوسف من تعبير تلك الرؤيا ، وقال الملك لمن بحضرته ائتوني به ، أي : بيوسف ، رغب إلى رؤيته ومعرفة حاله بعد أن علم من فضله ما علمه من وصف الرسول له ومن تعبيره لرؤياه (فَلَمَّا جاءَهُ) أي جاء إلى يوسف (الرَّسُولُ) واستدعاه إلى حضرة الملك ، وأمره بالخروج من السجن (قالَ) يوسف للرسول (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) أي سيدك (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) أمره بأن يسأل الملك عن ذلك وتوقف عن الخروج من السجن ، ولم يسارع إلى إجابة الملك ، ليظهر للناس براءة ساحته ونزاهة جانبه ، وأنه ظلم بكيد امرأة العزيز ظلما بينا ، ولقد أعطي عليهالسلام من الحلم والصبر والأناة ما تضيق الأذهان عن تصوّره ، ولهذا ثبت في الصحيح من قوله صلىاللهعليهوسلم : «ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الدّاعي» يعني الرسول الذي جاء يدعوه إلى الملك. قال ابن عطية : كان هذا الفعل من يوسف أناة وصبرا ، وطلبا لبراءة ساحته ، وذلك أنه خشي أن يخرج وينال من الملك مرتبة ، ويسكت عن أمر ذنبه ، فيراه الناس