سبحانه ، ويؤيد رجوع الضمير إلى يوسف ما بعده من قوله : (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) ويؤيد رجوعه إلى الذي نجا من الغلامين قوله فيما سيأتي (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) سنة (فَلَبِثَ) أي يوسف (فِي السِّجْنِ) بسبب ذلك القول الذي قاله للذي نجا من الغلامين ، أو بسبب ذلك الإنساء (بِضْعَ سِنِينَ) البضع : ما بين الثلاث إلى التسع كما حكاه الهروي عن العرب. وحكي عن أبي عبيدة أن البضع : ما دون نصف العقد ، يعني ما بين واحد إلى أربعة ؛ وقيل : ما بين ثلاث إلى سبع ، حكاه قطرب. وحكى الزجاج أنه ما بين الثلاث إلى الخمس. وقد اختلف في تعيين قدر المدّة التي لبث فيها يوسف في السجن فقيل : سبع سنين ، وقيل : ثنتا عشرة سنة ، وقيل : أربع عشرة سنة ، وقيل : خمس سنين.
وقد أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله : (أَمَّا أَحَدُكُما) قال : أتاه فقال : رأيت فيما يرى النائم أني غرست حبة من عنب فنبتت ، فخرج فيه عناقيد فعصرتهنّ ثم سقيتهنّ الملك ؛ فقال : تمكث في السجن ثلاثة أيام ، ثم تخرج فتسقيه خمرا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال : ما رأى صاحبا يوسف شيئا ، إنما تحالما ليجرّبا علمه ، فلما أوّل رؤياهما قالا : إنما كنا نلعب ولم نر شيئا ، فقال : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) يقول : وقعت العبارة فصار الأمر على ما عبر يوسف. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي مجلز قال : كان أحد اللذين قصّا على يوسف الرؤيا كاذبا. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن ساباط (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) قال : عند ملك الأرض. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو لم يقل يوسف الكلمة التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج من عند غير الله». وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة مرفوعا نحوه وهو مرسل. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا نحوه. وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم أبو الشيخ عن الحسن مرفوعا نحوه ، وهو مرسل. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة فذكر نحوه وهو مرسل أيضا.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أنس قال : أوحي إلى يوسف : من استنقذك من القتل حين همّ إخوتك أن يقتلوك؟ قال : أنت يا ربّ ، قال : فمن استنقذك من الجبّ إذ ألقوك فيه؟ قال : أنت يا ربّ ، قال : فمن استنقذك من المرأة إذ همّت بك؟ قال : أنت يا ربّ ، قال : فما لك نسيتني وذكرت آدميا؟ قال : جزعا وكلمة تكلّم بها لساني ، قال : فوعزتي لأخلدنك في السجن بضع سنين ، فلبث فيه سبع سنين. وقد اختلف السلف في تقدير مدّة لبثه في السجن على حسب ما قدّمنا ذكره ، فلم نشتغل ها هنا بذكر من قال بذلك ومن خرّجه.