لك أقول وإياك أعني (قالَ) موسى (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها) أي : بعد هذه المرّة ، أو بعد هذه النفس المقتولة (فَلا تُصاحِبْنِي) أي : لا تجعلني صاحبا لك ، نهاه عن مصاحبته مع حرصه على التعلم لظهور عذره ، ولذا قال : (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) يريد أنك قد أعذرت حيث خالفتك ثلاث مرّات ، وهذا كلام نادم شديد الندامة ، اضطره الحال إلى الاعتراف وسلوك سبيل الإنصاف. قرأ الأعرج تصحبني بفتح التاء والباء وتشديد النون. وقرأ الجمهور (تُصاحِبْنِي) وقرأ يعقوب تصحبني بضم التاء وكسر الحاء ورواها سهل عن أبي عمرو. قال الكسائي : معناه لا تتركني أصحبك. وقرأ الجمهور (لَدُنِّي) بضم الدال إلا أن نافعا وعاصما خففا النون ، وشددها الباقون. وقرأ أبو بكر عن عاصم (لَدُنِّي) بضم اللام وسكون الدال. قال ابن مجاهد : وهي غلط. قال أبو عليّ : هذا التغليط لعلّه من جهة الرواية ، فأما على قياس العربية فصحيحة. وقرأ الجمهور (عُذْراً) بسكون الذال. وقرأ عيسى بن عمر بضم الذال. وحكى الدّاني أن أبيّا روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم بكسر الراء وياء بعدها ، بإضافة العذر إلى نفسه (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) قيل : هي أيلة ، وقيل : أنطاكية ، وقيل : برقة ، وقيل : قرية من قرى أذربيجان ، وقيل : قرية من قرى الروم (اسْتَطْعَما أَهْلَها) هذه الجملة في محلّ الجر على أنها صفة لقرية ، ووضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التأكيد ، أو لكراهة اجتماع الضميرين في هذه الكلمة لما فيه من الكلفة ، أو لزيادة التشنيع على أهل القرية بإظهارهم (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) أي : أبوا أن يعطوهما ما هو حقّ واجب عليهم من ضيافتهما ، فمن استدل بهذه الآية على جواز السؤال وحلّ الكدية (١) فقد أخطأ خطأ بينا ، ومن ذلك قول بعض الأدباء الذين يسألون الناس :
فإن رددت فما في الرّدّ منقصة |
|
عليّ قد ردّ موسى قبل والخضر |
وقد ثبت في السنة تحريم السؤال بما لا يمكن دفعه من الأحاديث الصحيحة الكثيرة (فَوَجَدا فِيها) أي : في القرية (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) إسناد الإرادة إلى الجدار مجاز. قال الزجّاج : الجدار لا يريد إرادة حقيقية إلا أن هيئة السقوط قد ظهرت فيه كما تظهر أفعال المريدين القاصدين فوصف بالإرادة ، ومنه قول الرّاعي :
في مهمه فلقت به هاماتها |
|
فلق الفؤوس إذا أردن نصولا |
ومعنى الانقضاض : السقوط بسرعة ، يقال : انقضّ الحائط إذا وقع ، وانقضّ الطائر : إذا هوى من طيرانه فسقط على شيء ، ومعنى فأقامه : فسوّاه ؛ لأنه وجده مائلا فردّه كما كان ، وقيل : نقضه وبناه ، وقيل : أقامه بعمود ، وقد تقدّم في الحديث الصحيح أنه مسحه بيده (قالَ) موسى (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) أي : على إقامته وإصلاحه ، تحريضا من موسى للخضر على أخذ الأجر. قال الفراء : معناه لو شئت لم تقمه حتى يقرونا فهو الأجر ، قرأ أبو عمرو ويعقوب وابن كثير وابن محيصن واليزيدي والحسن «لتخذت» يقال : تخذ فلان يتخذ تخذا مثل اتخذ. وقرأ الباقون (لَاتَّخَذْتَ قالَ) الخضر (هذا فِراقُ بَيْنِي
__________________
(١). «الكدية» : تكفّف الناس والاستجداء.