في قوله : (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ). قال : بحر فارس والروم ، وهما نحو المشرق والمغرب وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس مثله. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبيّ بن كعب قال : (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) إفريقية. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال : طنجة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) قال : سبعين خريفا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال : دهرا. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (نَسِيا حُوتَهُما) قال : كان مملوحا مشقوق البطن. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله : (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) قال : أثره يابس في البحر كأنه في حجر. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) قال : عودهما على بدئهما. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) قال : أعطيناه الهدى والنبوة.
واعلم أنها قد رويت في قصة الخضر مع موسى المذكورة في الكتاب العزيز أحاديث كثيرة ، وأتمها وأكملها ما روي عن ابن عباس ولكنها اختلفت في بعض الألفاظ ، وكلها مروية من طريق سعيد بن جبير عنه ، وبعضها في الصحيحين وغيرهما ، وبعضها في أحدهما ، وبعضها خارج عنهما. وقد رويت من طريق العوفي عنه كما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم ، ومن طريق هارون بن عنترة عن أبيه عنه عند ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخطيب وابن عساكر ، فلنقتصر على الرواية التي هي أتمّ الروايات الثابتة في الصحيحين ، ففي ذلك ما يغني عن غيره ، وهي : قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : إنّ نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل ، قال ابن عباس : كذب عدوّ الله. حدّثنا أبيّ بن كعب أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل ، فسئل : أيّ الناس أعلم؟ فقال : أنا ، فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه ، فأوحى الله إليه : إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك ، قال موسى : يا رب فكيف لي به؟ قال : تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ ، فأخذ حوتا فجعله في مكتل. ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون ، حتى أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما ، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر ، فاتخذ سبيله في البحر سربا ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء ، فصار عليه مثل الطاق ، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه : (آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ، فقال له فتاه : (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) قال : فكان للحوت سربا ، ولموسى وفتاه عجبا ؛ فقال موسى : (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) قال سفيان : يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة لا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش ، قال : وكان الحوت قد أكل منه ، فلما قطر عليه الماء عاش ، قال : فرجعا يقصّان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجّى بثوب ، فسلّم عليه موسى ، فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام؟ قال : أنا موسى ، قال : موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم ، قال : أتيتك