رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) قيل : الرحمة هي النبوّة ، وقيل : النعمة التي أنعم الله بها عليه (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) وهو ما علمه الله سبحانه من علم الغيب الذي استأثر به. وفي قوله من لدنا تفخيم لشأن ذلك العلم ، وتعظيم له. قال الزجاج : وفيما فعل موسى وهو من جملة الأنبياء من طلب العلم ، والرحلة في ذلك ما يدلّ على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته ، وأن يتواضع لمن هو أعلم منه. ثم قصّ الله سبحانه علينا ما دار بين موسى والخضر بعد اجتماعهما فقال : (قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) في هذا السؤال ملاطفة ومبالغة في حسن الأدب ؛ لأنه استأذنه أن يكون تابعا له على أن يعلمه ممّا علمه الله من العلم. والرشد : الوقوف على الخير وإصابة الصواب ، وانتصابه على أنه مفعول ثان لتعلمني ، أي : علما ذا رشد أرشد به ، وقرئ «رشدا» بفتحتين ، وهما لغتان كالبخل والبخل. وفي الآية دليل على أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب. وليس في ذلك ما يدلّ على أن الخضر أفضل من موسى ، فقد يأخذ الفاضل عن الفاضل ، وقد يأخذ الفاضل عن المفضول إذا اختص أحدهما بعلم لا يعلمه الآخر ، فقد كان علم موسى علم الأحكام الشرعية والقضاء بظاهرها ، وكان علم الخضر علم بعض الغيب ومعرفة البواطن (قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) أي : قال الخضر لموسى : إنك لا تطيق أن تصبر على ما تراه من علمي ؛ لأن الظواهر التي هي علمك لا توافق ذلك ، ثم أكّد ذلك مشيرا إلى علّة عدم الاستطاعة ، فقال : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) أي : كيف تصبر على علم ظاهره منكر ، وأنت لا تعلم ، ومثلك مع كونك صاحب شرع لا يسوغ له السكوت على منكر والإقرار عليه ، وخبرا منتصب على التمييز ، أي : لم تحط به خبرك ، والخبر : العلم بالشيء ، والخبير بالأمور : هو العالم بخفاياها ، وبما يحتاج إلى الاختبار منها (قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) أي : قال موسى للخضر : ستجدني صابرا معك ، ملتزما طاعتك (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) فجملة ولا أعصي معطوفة على صابرا ، فيكون التقييد بقوله : إن شاء الله شاملا للصبر ونفي المعصية ؛ وقيل : إن التقييد بالمشيئة مختصّ بالصبر ؛ لأنه أمر مستقبل لا يدري كيف يكون حاله فيه ، ونفي المعصية معزوم عليه في الحال ، ويجاب عنه بأن الصبر ، ونفي المعصية متفقان في كون كل واحد منهما معزوم عليه في الحال ، وفي كون كل واحد منهما لا يدري كيف حاله فيه في المستقبل. (قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) ممّا تشاهده من أفعالي المخالفة لما يقتضيه ظاهر الشرع الذي بعثك الله به (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) أي : حتى أكون أنا المبتدئ لك بذكره ، وبيان وجهه وما يؤول إليه ، وهذه الجمل المعنونة بقال وقال مستأنفة ؛ لأنها جوابات عن سؤالات مقدّرة كل واحدة ينشأ السؤال عنها ممّا قبلها.
وقد أخرج الدارقطني في الأفراد ، وابن عساكر من طريق مقاتل بن سليمان عن الضحّاك عن ابن عباس قال : الخضر ابن آدم لصلبه ، ونسئ له في أجله ، حتى يكذّب الدجّال. وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّما سمّي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء ، فإذا هي تهتزّ من خلفه خضراء». وأخرجه ابن عساكر من حديث ابن عباس. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن مجاهد : إنما سمي الخضر لأنه إذا صلّى اخضرّ ما حوله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد