جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ) قال : في سورة الأنعام. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة مثله ، وقال حيث يقول : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) إلى قوله : (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (١)
(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣) إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤) ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨))
لما فرغ سبحانه من دفع شبه المشركين وإبطال مطاعنهم ، وكان إبراهيم عليهالسلام من الموحّدين ، وهو قدوة كثير من النبيين ، ذكره الله في آخر هذه السورة فقال : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) قال ابن الأعرابيّ : يقال للرجل العالم أمة ، والأمة : الرجل الجامع للخير. قال الواحدي : قال أكثر أهل التفسير : أي : معلّما للخير ، وعلى هذا فمعنى كون إبراهيم كان أمة أنه كان معلما للخير ، أو جامعا لخصال الخير ، أو عالما بما علّمه الله من الشرائع ؛ وقيل : أمة بمعنى مأموم ، أي : يؤمه الناس ليأخذوا منه الخير ، كما قال سبحانه : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (٢). والقانت : المطيع ، وقد تقدّم بيان معاني القنوت في البقرة. والحنيف : المائل عن الأديان الباطلة إلى دين الحق ، وقد تقدم بيانه في الأنعام (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) بالله كما تزعمه كفار قريش أنه كان على دينهم الباطل (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) التي أنعم الله بها عليه ، وإن كانت قليلة ، كما يدلّ عليه جمع القلة ، فهو شاكر لما كثر منها بالأولى (اجْتَباهُ) أي : اختاره للنبوة ، واختصّه بها (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو ملّة الإسلام ودين الحق (وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) أي : خصلة حسنة أو حالة حسنة ، وقيل : هي الولد الصالح ، وقيل : الثناء الحسن ، وقيل : النبوّة ، وقيل : الصلاة منا عليه في التشهد ، وقيل : هي أنه يتولاه جميع أهل الأديان ، ولا مانع أن يكون ما آتاه الله شاملا لذلك كلّه ولما عداه من خصال الخير (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) حسبما وقع منه السؤال لربه حيث قال : (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ـ وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ـ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) (٣). (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يا محمّد مع علوّ درجتك وسموّ منزلتك وكونك سيد ولد آدم (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) وأصل الملة : اسم لما شرعه الله لعباده على لسان نبيّ من أنبيائه ، قيل : والمراد هنا اتباع النبي صلىاللهعليهوسلم لملة إبراهيم في التوحيد والدعوة إليه. وقال ابن جرير :
__________________
(١). الأنعام : ١٤٦.
(٢). البقرة : ١٢٤.
(٣). الشعراء : ٨٣ ـ ٨٥.