يسار ، واسم الآخر جبر ، وكانا صيقلين (١) يعملان السيوف. وكانا يقرآن كتابا لهم ، وقيل : كانا يقرآن التوراة والإنجيل. وقيل : عنوا سلمان الفارسي. وقيل : عنوا نصرانيا بمكة اسمه بلعام ، وكان يقرأ التوراة. وقيل : عنوا رجلا نصرانيا كان اسمه أبا ميسرة يتكلم بالرومية ، وفي رواية اسمه عداس. قال النحاس : وهذه الأقوال غير متناقضة ، لأنه يجوز أنهم زعموا أنهم جميعا يعلمونه ، ولكن لا يمكن الجمع باعتبار قول من قال إنه سلمان ، لأن هذه الآية مكية ، وهو إنما أتى إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بالمدينة. ثم أجاب سبحانه عن قولهم هذا فقال : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ) الإلحاد : الميل ، يقال : لحد وألحد ؛ أي : مال عن القصد. وقد تقدّم في الأعراف. وقرأ حمزة والكسائي يلحدون بفتح الياء والحاء. وقرأ من عداهما بضم الياء وكسر الحاء ، أي : لسان الذين يميلون إليه ويزعمون أنه يعلمك أعجميّ ، يقال : رجل أعجم وامرأة عجماء ؛ أي : لا يفصحان ، والعجمة : الإخفاء ، وهي ضدّ البيان ، والعرب تسمّي كلّ من لا يعرف لغتهم ولا يتكلم بها أعجميا. قال الفرّاء : الأعجم الذي في لسانه عجمة وإن كان من العرب ، والأعجميّ : هو العجمي الذي أصله من العجم. وقال أبو علي الفارسي : العجمي المنسوب إلى العجم الذي لا يفصح سواء كان من العرب أو من العجم ، وكذلك الأعجم ، والأعجمي المنسوب إلى العجم وإن كان فصيحا (وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) الإشارة إلى القرآن ، وسمّاه لسانا لأن العرب تقول للقصيدة والبيت لسانا ، ومنه قول الشاعر :
لسان الشرّ تهديها إلينا |
|
وخنت وما حسبتك أن تخونا |
أو أراد باللسان البلاغة ، فكأنه قال : وهذا القرآن ذو بلاغة عربية وبيان واضح ، فكيف تزعمون أن بشرا يعلمه من العجم. وقد عجزتم أنتم عن معارضة سورة منه ، وأنتم أهل اللسان العربي ورجال الفصاحة وقادة البلاغة وهاتان الجملتان مستأنفتان سيقتا لإبطال طعنهم ودفع كذبهم. ولما ذكر سبحانه جوابهم وبخهم وهدّدهم فقال : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) أي : لا يصدّقون بها (لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) إلى الحق الذي هو سبيل النجاة هداية موصلة إلى المطلوب لما علم من شقاوتهم (وَلَهُمْ) في الآخرة (عَذابٌ أَلِيمٌ) بسبب ما هم عليه من الكفر والتكذيب بآيات الله. ثم لما وقع منهم نسبة الافتراء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ردّ عليهم بقوله : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) فكيف يقع الافتراء من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو رأس المؤمنين بها ، والداعين إلى الإيمان بها ، وهؤلاء الكفار هم الذين لا يؤمنون بها ، فهم المفترون للكذب. قال الزجاج : المعنى إنما يفتري الكذب الذين إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلا الله كذبوا بها هؤلاء أكذب الكذبة ، ثم سمّاهم الكاذبين ، فقال : (وَأُولئِكَ) أي : المتّصفون بذلك (هُمُ الْكاذِبُونَ) أي : إن الكذب نعت لازم لهم وعادة من عاداتهم فهم الكاملون في الكذب ، إذ لا كذب أعظم من تكذيبهم بآيات الله.
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه سئل عن الحياة الطيبة المذكورة في الآية فقال : الحياة الطيبة الرزق الحلال في هذه الحياة الدنيا ، وإذا صار
__________________
(١). الصيقل : الصقّال وهو من صناعته صقل السيوف.