(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩))
اختلف أهل العلم في السبع المثاني ماذا هي؟ فقال جمهور المفسرين : إنها الفاتحة. قال الواحدي وأكثر المفسرين على أنها فاتحة الكتاب ، وهو قول عمر وعليّ وابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة والربيع والكلبي. وزاد القرطبي أبا هريرة وأبا العالية ، وزاد النيسابوري الضحّاك وسعيد بن جبير. وقد روي ذلك من قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما سيأتي بيانه فتعيّن المصير إليه. وقيل : هي السبع الطوال : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف. والسابعة الأنفال والتوبة ، لأنها كسورة واحدة إذ ليس بينهما تسمية ، روي هذا القول عن ابن عباس. وقيل : المراد بالمثاني السبعة الأحزاب فإنها سبع صحائف ، والمثاني جمع مثناة من التثنية أو جمع مثنية. وقال الزجاج : تثنى بما يقرأ بعدها معها. فعلى القول الأوّل يكون وجه تسمية الفاتحة مثاني أنها تثنى ، أي : تكرّر في كل صلاة ، وعلى القول بأنها السبع الطوال فوجه التسمية إن العبر والأحكام والحدود كررت فيها ، وعلى القول بأنها السبعة الأحزاب يكون وجه التسمية هو تكرير ما في القرآن من القصص ونحوها. وقد ذهب إلى أن المراد بالسبع المثاني القرآن كله الضحّاك وطاوس وأبو مالك ، وهو رواية عن ابن عباس ، واستدلوا بقوله تعالى : (كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) (١). وقيل : المراد بالسبع المثاني أقسام القرآن ؛ وهي الأمر ، والنهي ، والتبشير ، والإنذار ، وضرب الأمثال ، وتعريف النعم ، وأنباء قرون ماضية. قاله زياد ابن أبي مريم ، ولا يخفى عليك أن تسمية الفاتحة مثاني لا تستلزم نفي تسمية غيرها بهذا الاسم ، وقد تقرّر أنها المرادة بهذه الآية ، فلا يقدح في ذلك صدق وصف المثاني على غيرها (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) معطوف على (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) ويكون من عطف العام على الخاص ؛ لأن الفاتحة بعض من القرآن ، وكذلك إن أريد بالسبع المثاني السبع الطوال لأنّها بعض من القرآن ، وأما إذا أريد بها السبعة الأحزاب أو جميع القرآن أو أقسامه ، فيكون من باب عطف أحد الوصفين على الآخر ، كما قيل في قول الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهمام (٢)
ومما يقوّي كون السبع المثاني هي الفاتحة أن هذه السورة مكية ، وأكثر السبع الطوال مدنية ، وكذلك أكثر القرآن وأكثر أقسامه ، وظاهر قوله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) أنه قد تقدّم إيتاء السبع على
__________________
(١). الزمر : ٢٣.
(٢). وعجزه : وليث الكتيبة في المزدحم.