وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (١) ، وقيل : المراد بالحق الزوال لأنها مخلوقة وكلّ مخلوق زائل (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) وعند إتيانها ينتقم الله ممن يستحق العذاب ، ويحسن إلى من يستحق الإحسان ، وفيه وعيد للعصاة وتهديد ، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يصفح عن قومه ، فقال : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) أي : تجاوز عنهم واعف عفوا حسنا ؛ وقيل : فأعرض عنهم إعراضا جميلا ولا تعجل عليهم ، وعاملهم معاملة الصفوح الحليم. قيل : وهذا منسوخ بآية السيف (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) أي : الخالق للخلق جميعا العليم بأحوالهم وبالصالح والطالح منهم.
وقد أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ مدين وأصحاب الأيكة أمّتان بعث الله إليهما شعيبا». وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : أصحاب الأيكة هم قوم شعيب ، والأيكة ذات آجام وشجر كانوا فيها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الأيكة الغيضة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : أصحاب الأيكة أهل مدين ، والأيكة : الملتفة من الشجر. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال : الأيكة : مجمع الشيء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال في قوله : (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) طريق ظاهر. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في أصحاب الحجر قال : أصحاب الوادي. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : كان أصحاب الحجر : ثمود وقوم صالح. وأخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحاب الحجر (٢) : «لا تدخلوا على هؤلاء القوم إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم». وأخرج ابن مردويه عنه قال : نزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عام غزوة تبوك بالحجر عند بيوت ثمود ، فاستقى الناس من مياه الآبار التي كانت تشرب منها ثمود وعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم ، فأمرهم بإهراق القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذّبوا ، فقال : «إني أخشى أن يصيبكم مثل الذي أصابهم فلا تدخلوا عليهم». وأخرج ابن مردويه عن سبرة بن معبد أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال بالحجر لأصحابه : «من عمل من هذا الماء شيئا فليلقه». قال : ومنهم من عجن العجين ، ومنهم من حاس الحيس. وأخرج ابن مردويه وابن النجار عن عليّ في قوله : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) قال : الرضا بغير عتاب. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : هذه الآية قبل القتال. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة مثله.
__________________
(١). النجم : ٣١.
(٢). قال في فتح الباري في شرح الحديث (٤٤٢٠) : اللام في قوله : لأصحاب الحجر بمعنى : عن ، وحذف المقول لهم ليعم كل سامع ، والتقدير : قال لأمته عن أصحاب الحجر ، وهم ثمود.