سليمان الجوزجاني الذي تفقه بدوره على أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني
تلميذي أبي حنيفة ، كما أن محمد بن مقاتل الرازي ونصيرا البلخي قد تفقها على الإمامين
: أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي ، وأبي مقاتل حفص بن سلم السمرقندي اللذين
تفقها على الإمام أبي حنيفة ، وأخذ محمد بن مقاتل أيضا عن محمد بن الحسن .
ويدلنا ذلك على أن أساتذة الماتريدي
وشيوخه يتبعون في الفقه مذهب أبي حنيفة ، ومن ثم فهو يعتبر متخرجا من مدرسة أبي
حنيفة وعلى يد أعلام المذهب الحنفي ، ولا أدل على ذلك من أنه كان يتبع المذهب
الحنفي في الفقه ، وبلغ فيه شأوا عظيما بين أقرانه.
وفيما يلي نبين في عجالة أبرز الصلات
بين أبي حنيفة والماتريدي ، وهي صلات علمية ومذهبية وكلامية.
وأول هذه الصلات ما نراه عند الماتريدي
من آراء أبي حنيفة الكلامية ، فقد كان لأبي حنيفة آراء كلامية ، فلقد روي عنه في
علم الكلام موقفان :
الأول : يروى أن أبا حنيفة نظر في علم
الكلام في مبدأ طلبه للعلم ، وبلغ في معرفة أصوله ومذاهبه مبلغا عظيما حتى غدا
يشار إليه بالبنان ، فمضى عليه زمن يخاصم عنه ويناضل ؛ حتى دخل البصرة ؛ لأن أكثر
الفرق بها ، وأخذ ينازع تلك الفرق ؛ لأنه كان يعد الكلام أرفع العلوم وأفضلها ؛
لكونه في أصول الدين .
أما الموقف الثاني : فيتمثل في انصراف
الإمام أبي حنيفة عن الكلام وانشغاله بالفقه الذي ذاع صيته فيه ، واشتهر به ، ولقد
ذكر عنه أنه نهى عن الخوض في علم الكلام والاشتغال به ، وأنه ذكر أن الصحابة
والتابعين لم يكونوا يشتغلون بعلم الكلام مع أنهم عليه أقدر وبه أعرف ، بل نهوا
عنه أشد النهي ، ولم يخوضوا إلا في الشرائع وأبواب الفقه وتعليم الناس ، ومن ثم
انصرف أبو حنيفة عن الكلام إلى الفقه.
ويمكن القول : إن الماتريدي قد استفاد
من آراء أبي حنيفة الكلامية التي دونها في رسائله : كالفقه الأكبر ، والفقه الأوسط
، والعالم والمتعلم ، ورسالته إلى أبي مسلم ، وهي رسائل صغيرة ، اشتملت ـ وخاصة
رسالة الفقه الأكبر ـ على بيان عقيدة أهل التوحيد ، وما يصح الاعتقاد عليه ، وبعض
الأدلة لبعض القضايا الكلامية ، ونفى الإرجاء.
__________________