بحث دلالي
تدل الآيات الشريفة على أمور : ـ
الأول : يشتمل قوله تعالى : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ) على براهين ثلاثة تدل على امتناع دعوى الألوهية من البشر وبطلانها.
أولها : إن البشر بما له من الأطوار المختلفة ، فطورا هو جنين وآخر يكون طفلا ؛ ثم صغيرا ، ثم شابا ، ثم كهلا ، ثم شيخا إلى غير ذلك من الأطوار. ثم في جميع أحواله وأطواره قرين الفقر والاحتياج ، كما انه يتدرج في الكمال فينشأ وهو جاهل ثم يتدرج في المعرفة ، ويطرأ عليه من التبدلات كالصحة والمرض ، والفقر والغنى والعلم والجهل ، والألم والجوع ونحو ذلك ، وجميع ذلك ينافي كونه إلها واجب الوجود يمتنع ان يطرأ عليه الاختلاف والتبدلات ويستفاد ذلك من كلمة البشر.
ثانيها : إن البشر الذي آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة ، وتربي بالتربية الإلهية لا يحق له أن يدعي الألوهية ويدعو الناس إلى عبادته ، وإن اتفق لبعض الناس أن يدعي هذه الدعوى لكنه ناقص لم يتصف بما ورد في الآية الشريفة فانه لا يعقل أن يدعي هذا البشر الموصوف بما ورد في الآية بتلك الدعوى ، لأنه خلف ويناقض الحكمة الإلهية وهو تعالى الحكيم كالعليم لا يؤتي الكتاب والحكم والنبوة لكل احد فضلا من أن يدعو العباد إلى عبادته.