وتصور هذه الموضوعات الثلاثة بنفسها يغني عن الاستدلال على امتناع دعوى الألوهية ، فالآية الشريفة من القضايا التي قياساتها معها.
وإنما جمع سبحانه بين هذه الأمور الثلاثة ، لبيان أن هذه الصفات موجبة للدعوة لله ، والإرشاد اليه. ولأجل الأعلام بأن الذي يؤتى هذه الأمور قد تربى بتربية إلهية لا تصدر منه هذه الدعوة الباطلة ، ولا يملك ذلك لعلمه ببطلانها ، لأن الأنبياء هم أرفع شأنا وأجلّ قدرا من أن يدعي أحد منهم هذه الدعوة.
قوله تعالى : (ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ).
العباد جمع عبد ، ويختص استعماله بما إذا نسب الى الله تعالى ، يقال : عباد الله. ولعله لأن العباد من العبادة دون العبيد الذي هو من العبودية التي لا تمتنع أن تكون لغير الله تعالى ، يقال : عبيد فلان. ولا يقال : عباده.
والتقييد بقوله (مِنْ دُونِ اللهِ) لبيان أن هذا القول جحد للألوهية وانكار لمقام الربوبية ، وتغيير للعبودية الحقة المنحصرة في الله تعالى وللاعلام بأن الشرك في الألوهية إنكار لأصلها ، لأن الله تعالى لا يرضى من عباده إلا الخلوص والإخلاص في عبادته ، قال تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) البينة ـ ٥.
والمعنى : لا يحق لبشر قد أنعم الله عليه بالكتاب والحكم والنبوة وتربى بالتربية الإلهية أن يدعو الناس ـ الذين بعث إليهم ـ إلى عبادة نفسه ، ويدعي الألوهية لها ، فان ذلك مستحيل لم يقع أبدا ، فان من كان كذلك لا يخرج عن زي العبودية لله تعالى ، وأنه عزوجل لم يمنح الكتاب والحكم والنبوة لمن يدّعى لنفسه الألوهية.