قوله تعالى : (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ).
الرباني المنسوب إلى الرب ، زيد الألف والنون للمبالغة في التفخيم والتعظيم ، كما يقال : رقباني لعظيم الرقبة ، ولحياني لعظيم اللحية. والمراد به التوغل والتحنّك في عبادة الله تعالى بحيث تعلق قلبه به عزوجل ولا يخطر بباله غيره ، وقد ظهرت آثار العبودية على جميع أقواله وأفعاله وأحواله ومعارفه لأجل انتسابه إلى رب العالمين ، ووضع نفسه تحت إرادته ومشيته.
والجملة استدراك عن ما ذكر سابقا ، وإثبات لما نفي آنفا. اي أن البشر المنوه به آنفا يقول للمبعوث إليهم كونوا ربانيين متلبسين بالإيمان بالله مشتغلين بعبادته ومختصين به في جميع شؤونكم ، ويقتضى ذلك الاعراض عن غيره عزوجل.
قوله تعالى : (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ).
الباء للسببية ، متعلق ب (كونوا). والدراسة التكرار في القراءة درس الكتاب أي كرر قراءته ، وداوم على حفظه.
وإنما كرر عزوجل (بما كنتم) لبيان أن كل واحد من التعليم والدراسة له الاستقلال في الأثر وهو التلبس بالربانية. كما انه يستفاد من إتيان الفعل في (تعلمون وتدرسون) مضارعا للدلالة على الاستمرار عليها والمثابرة في ذلك دون مجرد التلبس.
أي كونوا كذلك بسبب مثابرتكم على الاستمرار بتعلّمكم الكتاب وتعليمكم له ، ودراستكم لما ورد فيه من المعارف الحقة والاحكام