قوله تعالى : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ).
سبب آخر في كتمان الحق ، وقد بين سبحانه هذا الأمر في موضع آخر ، قال تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) البقرة ـ ٧٧.
وربما يكون الأمران متلازمين فان إيتاء غير اليهود الحق يلازمه المحاجة عند ربهم.
وإنما قطع سبحانه هذا الأمر عن سابقه (بأو) لبيان استقلال كل واحد من هذين الأمرين في مكائدهم وغيضهم. أو يكون الترديد باعتبار اختلاف العوالم ، فان الأول في دار الدنيا ، والثاني يكون في عالم الآخرة.
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ).
ردّ لما زعموه ، وإبطال لحججهم في كتمانهم الحق. والفضل عبارة عما يؤتى زيادة عن أصل الاستحقاق ، وقد يطلق على أصل ما يؤتى ولو لم تكن زيادة. والمراد به المعنى الأعم من ذلك ، بناء على ما أثبته جمع من الفلاسفة والمتكلمين من أنه لا استحقاق في البين أصلا وانما يكون مطلق عطائه تبارك وتعالى فضلا. ويراد به في المقام مطلق مواهبه وعطياته فتشمل اصل النبوة والرسالة ، وتفضيل بعض النبيين على بعض ، وما منحه الله تعالى لنبيه الكريم (صلىاللهعليهوآله) وأمته. فيكون مثل هذه الآية ردا على كل من زعم أن أفعاله وحركاته وسعيه مؤثرة في إزالة الحق عن مقره ، أو تخصيصه لنفسه ، فان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء من عباده وفق الحكمة المتعالية ، لا سيما في الفضائل المعنوية التي لا يعلم خصوصياتها أحد إلا الله تعالى الذي بيده