إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) البقرة ـ ١٢٠ إلا إن الفرق بينهما أن المقام من القضايا الحقيقية الكلية المنطبقة على جميع الموارد ، وهناك من قبيل القضايا الخارجية باعتبار تغيير القبلة ، وانه كان من الله تعالى ، كما أن القبلة السابقة كانت كذلك ، وفي المقام يكون باعتبار اصل الدين اصولا وفروعا ، فيكون معنى قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) نظير قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) آل عمران ـ ١٩.
والمعنى إن الهدى الذي هو الغرض الاصلي من التشريعات السماوية وغاية سعي كل مؤمن انما هو هدى الله تعالى فقط الذي يحتاج اليه المؤمنون في جميع أمورهم دون ما اعتقده غيرهم ، والعقل حينئذ يحكم باتباع هدى الله ، والاعراض عن غيره فلا يضرّ بعد ذلك كتمان أهل الكتاب الحق أو إظهاره.
قوله تعالى : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ).
عود إلى مقالتهم ، وبيان للسبب في نهيهم عن التصديق بغيرهم وافشاء السرّ ، أي لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهة أن يؤتى أحد من غيركم مثل ما أوتيتم من الحق فيعرفه فلا تنفع غواياتهم ومكائدهم وهذا يكون بحسب زعمهم الفاسد ، وهو السبب في كتمانهم للحق أيضا.
وقيل : إن هذه الجملة متعلقة بالجملة السابقة التي أمر الله تعالى فيها رسوله بأن يقول لأهل الكتاب (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ). ويكون قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ) تأكيدا لما أمر الله به أولا فلا يكون في البين فصل بكلام أجنبي. وتفيد هذه الجملة الإنكار لغيضهم وحسدهم ، وتكون جوابا عن خدعهم ، ولكن الأول هو الاولى.