قوله تعالى : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا).
بيان للبرهان المقرر سابقا في شأن ابراهيم (عليهالسلام) وان التوراة والإنجيل نزلتا بعده وتنزيه من الله تعالى له من كل افتراء عليه فلم يكن يهوديا ولا نصرانيا كما كان يدعيه كل فرقة منهما لأنه لا يقول بأمر يمس بجلال الله تعالى وعظمته ولا يحد قدرته عزوجل ولا ينسب اليه ما لا يليق به كما تقوله اليهود ولا يقول بالتثليث والوهية البشر كما عليه النصارى المبتعدين عن التوحيد الخالص الذي هو دين ابراهيم (عليهالسلام) فالامر هنا امر عقائد لا امر نسب وصلة.
قوله تعالى : (وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
مادة حنف تدل على الميل إلى الحق وحيث ان الحق فيه تعالى فيكون الميل إلى التوحيد حينئذ ويلازمه نفي كل خلاف الحق والتوحيد من الشرك والضلال فكانت عقيدة ابراهيم (عليهالسلام) مائلة عن الشرك ومتمحضة في التوحيد الخالص الذي ينفي كل شرك وضلال كما عليه محمد (صلىاللهعليهوآله).
ويقابلها مادة (جنف) الدالة على الميل إلى الباطل. وقد كان عرب الجاهلية يدعون أنفسهم بالحنفاء لأنهم تبعوا ابراهيم في بعض شرايعه كالختان والحج. وكان اهل الكتاب يسمونهم بالحنفية الوثنية.
والمراد بالإسلام في المقام هو التسليم لله تعالى والانقياد لطاعته والخضوع لربوبيته وليس المراد من الإسلام الدين الذي جاء به محمد ابن عبد الله (صلىاللهعليهوآله) فانه حادث بعد ابراهيم بعدة قرون وتابع له لقوله تعالى : (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) النساء ـ ١٢٥ وقد تقدم في قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) آل عمران