ما في الصدور وتمحيص ما في القلوب.
وقد اطلق سبحانه في الآية المتقدمة (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) لان المقام اظهار لما في القلوب بعد ما ان ظنوا بالله الظنون الباطلة وما اضمروا في أنفسهم اكثر مما أبدوه بأفواههم بخلاف الآية المتقدمة.
ولا يدل قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) بشيء من الدلالات على الجبر كما يدعيه بعض فانه بمعزل عن ذلك والآية المباركة في مقام بيان كون الأمر كله بيد الله تعالى ولا ينافي ذلك تطبيقه على قانون الأسباب والمسببات.
العاشر : يدل قوله تعالى : (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) على ان المصائب والمتاعب التي تعرض عليهم سواء الفردية منها أو الاجتماعية انما هي آثار طبيعية لبعض أعمالهم ، وان لكل ذنب أثره الخاص به وتترتب عليه عقوبة خاصة ، وتترك الذنوب والمعاصي آثارا خاصة في النفس وتكدر صفائها وهذا ما يؤكده جلّ شأنه في القرآن الكريم قال تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) الفاطر ـ ٤٥ وتوجب تلك الآثار بعدها عن بارئها حسب كبر الذنب وصغره وشدته وضعفه إلا إذا انمحت بالتوبة فيعفو الله تعالى عنها ويمحي آثارها.
الحادي عشر : يستفاد من قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ان الغفران سبب العفو فان الله تعالى يستر الذنب ظاهرا ثم يمحي اثره عن النفس وهما يزيلان المانع ويرفعان المنافي المضاد في رضوان الله تعالى واطلاق قوله سبحانه يشمل جميع الآثار الوضعية والتشريعية اي يرفع العقاب وما يمنع السعادة وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام.