كذلك في الدنيا.
وقد خص سبحانه وتعالى من نعم الآخرة وعذابها بياض الوجه وسواده لان المفلحين لما كانوا معتصمين بحبل الله تعالى تلحقهم البشارات الإلهية في كل آن وكانوا مجتمعين في الاعتصام به عزوجل كانت الطلاقة والبشاشة ظاهرة في وجوههم في الدار الدنيا ، فيكونون كذلك في الدار الآخرة ، واما الظالمون الذين اعرضوا عن الاعتصام بحبله ، فانقطعت عنهم البشارات الربانية ووقعوا في النزاع والتباغض والاختلاف فكانوا مخذولين قد ظهرت على وجوههم الانكسار والانفعال في الدنيا فلحقهم مثل ذلك في الدار الآخرة ، فكان الجزاء مناسبا لاعمالهم وصفاتهم.
قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ).
تفصيل بعد إجمال. والجملة مركبة من الشرط وهو (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) والجواب فيقال لهم (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) وحذف القول واستتباع الفاء في الحذف له شايع في كلمات الفصحاء وانما الممنوع حذفها وحدها.
وعن بعض المفسرين يجوز ان يكون الجواب «فهم في عذاب اليم» كما يدل عليه قوله تعالى : (فَذُوقُوا الْعَذابَ) ويناسبه قوله تعالى في الآية الاخرى : (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وفائدة ذلك التهويل بالجواب ليقدره السامع بكل نحو يشعر به المقام من الهول وهو باب واسع في البلاغة.
ولكن يمكن ان يقال انه لا وجه لهذا الاختلاف في الأسباب التوليدية كما أثبتناه في علم الأصول سواء كان الجواب السبب أو المسبب ، مع