قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ).
بعد ما أكد سبحانه الدعوة إلى الاتحاد والاعتصام بحبل الله تعالى والدعوة إلى الخير. بيّن سبحانه وتعالى في هذه الآية ما يترتب على الاعراض عن ذلك والاحجام عن ما أمرهم في سبيل الوحدة والاتحاد بين أفراد المجتمع ، فانه لا يمكن ان تختلف امة إذا اجتمعت على مقصد واحد وهدف معين واتفقت عقائدهم ، وكانت بعيدة عن الأهواء الباطلة وما يوجب الضلال ، وتحقق التعاون والتناصر بين افرادها ، وقويت أواصر الوحدة فيهم وبعدت عما يوجب الافتراق والاختلاف بينهم ، فهذه الآية كالدليل على لزوم متابعة ما ورد في الآيات السابقة.
والتفرق انما يكون في ما يجب فيه الاجتماع مما فيه الصلاح والإصلاح ويكون ابتداء في الأبدان والابتعاد عما يوجب اتحاد الإفراد. واما الاختلاف انما يكون في العقائد والآراء ويوجبه الافتراق في الكلمة ، فهو كالمقدمة التي توصل إلى الاختلاف في العقائد والآراء ، فان كل اختلاف في الرأي انما ينشأ عن التفرق في الكلمة وتباعد افراد المجتمع والاختلاف هذا انما يكون عن ضلال الأهواء والبغي ، ولذا نسب سبحانه وتعالى الاختلاف إلى البغي في عدة آيات منها قوله تعالى : «وما اختلفوا فيه إلا (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) البقرة ـ ٢١٣ ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى في المقام (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) فان الاختلاف بعد مجيء الآيات للحق الموجبة للاتحاد والاجتماع انما يكون عن أعراض عنها فيكون عن بغي وضلال.
والمعنى : ولا تكونوا كالذين تفرقوا في الكلمة ولم يجتمعوا على