إذا عتا. قال الأزهري : المريد : الخارج عن الطاعة. وقد مرد الرجل مرودا :
إذا عتا وخرج عن الطاعة ، فهو مارد ومريد ومتمرّد. وقال ابن عرفة : هو الذي ظهر
شرّه ، يقال : شجرة مرداء : إذا تساقط ورقها وظهرت عيدانها ، ومنه قيل للرجل :
أمرد ، أي : ظاهر مكان الشعر من عارضيه. قوله : (لَعَنَهُ اللهُ) أصل اللعن : الطرد والإبعاد. وقد تقدّم وهو في العرف :
إبعاد مقترن بسخط. قوله : (وَقالَ
لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) معطوف على قوله : (لَعَنَهُ اللهُ) ، والجملتان صفة لشيطان ، أي : شيطانا مريدا جامعا بين
لعنة الله له وبين هذا القول الشنيع. والنصيب المفروض : هو المقطوع المقدّر ؛ أي :
لأجعلنّ قطعة مقدّرة من عباد الله تحت غوايتي ، وفي جانب إضلالي ، حتى أخرجهم من
عبادة الله إلى الكفر به. قوله : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) اللام : جواب قسم محذوف. والإضلال : الصرف عن طريق
الهداية إلى طريق الغواية ، وهكذا اللام في قوله : (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ
وَلَآمُرَنَّهُمْ) والمراد بالأماني التي يمنيهم بها الشيطان : هي الأماني
الباطلة الناشئة عن تسويله ووسوسته. قوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) أي : ولآمرنهم ببتك آذان الأنعام ، أي : تقطيعها
فليبتكنها بموجب أمري. والبتك : القطع ، ومنه سيف باتك ، يقال : بتكه وبتكه مخففا
ومشدّدا ، ومنه قول زهير :
طارت وفي كفّه من ريشها بتك
أي : قطع. وقد
فعل الكفار ذلك امتثالا لأمر الشيطان واتباعا لرسمه ، فشقوا آذان البحائر والسوائب
، كما ذلك معروف. قوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) أي : ولآمرنهم بتغيير خلق الله ، فليغيرنه بموجب أمري
لهم. واختلف العلماء في هذا التغيير ما هو؟ فقالت طائفة : هو الخصاء ، وفقء الأعين
، وقطع الآذان. وقال آخرون : إن المراد بهذا التغيير : هو أن الله سبحانه خلق
الشمس والقمر والأحجار والنار ونحوها من المخلوقات لما خلقها له ، فغيرها الكفار
بأن جعلوها آلهة معبودة ، وبه قال الزجاج. وقيل : المراد بهذا التغيير : تغيير
الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، ولا مانع من حملى الآية على جميع هذه الأمور
حملا شموليا أو بدليا.
وقد رخص طائفة
من العلماء في خصاء البهائم إذا قصد بذلك زيادة الانتفاع به لسمن أو غيره ، وكره
ذلك آخرون ، وأما خصاء بني آدم فحرام ، وقد كره قوم شراء الخصي. قال القرطبي : ولم
يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز ، وأنه مثلة ، وتغيير لخلق الله ، وكذلك
قطع سائر أعضائهم في غير حد ولا قود ، قاله أبو عمر ابن عبد البر. (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا
مِنْ دُونِ اللهِ) باتباعه وامتثال ما يأمر به ، من دون اتباع لما أمر
الله به ولا امتثال له (فَقَدْ خَسِرَ
خُسْراناً مُبِيناً) أي : واضحا ظاهرا (يَعِدُهُمْ) المواعيد الباطلة (وَيُمَنِّيهِمْ) الأماني العاطلة (وَما يَعِدُهُمُ
الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) أي : وما يعدهم الشيطان بما يوقعه في خواطرهم من
الوساوس الفارغة (إِلَّا غُرُوراً) يغرّهم به ، ويظهر لهم فيه النفع وهو ضرر محض ،
__________________