أنزل عليّ في القرآن يا أعرابيّ (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) إلى قوله : (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) يا أعرابيّ! الأجر العظيم : الجنة ؛ قال الأعرابي : الحمد لله الذي هدانا للإسلام». وأخرج الترمذي ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يجمع الله بين هذه الأمة على الضّلالة أبدا ، ويد الله على الجماعة ، فمن شذّ شذّ في النّار». وأخرجه الترمذي ، والبيهقي أيضا عن ابن عباس مرفوعا.
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً (١٢٢))
قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) قد تقدّم تفسير هذه الآية ، وتكريرها بلفظ للتأكيد ؛ وقيل : كررت هنا لأجل قصة بني أبيرق ؛ وقيل : إنها نزلت هنا لسبب غير قصة بني أبيرق. وهو ما رواه الثعلبي ، والقرطبي في تفسيريهما عن الضحاك : أن شيخا من الأعراب جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله! إني شيخ منهمك في الذنوب والخطايا إلّا أني لم أشرك بالله شيئا مذ عرفته وآمنت به ولم أتخذ من دونه وليا ولم أوقع المعاصي جرأة على الله ولا مكابرة له ، وإني لنادم وتائب ومستغفر ، فما حالي عند الله؟ فأنزل الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الآية (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَ) عن الحق (ضَلالاً بَعِيداً) لأن الشرك أعظم أنواع الضلال وأبعدها من الصواب (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) أي : ما يدعون من دون الله إلّا أصناما لها أسماء مؤنثة كاللات والعزى ومناة ؛ وقيل : المراد بالإناث : الموات التي لا روح لها ، كالخشبة والحجر ؛ وقيل : المراد بالإناث : الملائكة ، لقولهم : الملائكة بنات الله. وقرئ «وثنا» بضم الواو والثاء جمع وثن ، روى هذه القراءة ابن الأنباري عن عائشة. وقرأ ابن عباس : «إلّا أثنا» جمع وثن أيضا ، وأصله : وثن ، فأبدلت الواو همزة ، وقرأ الحسن : إلّا أنثا ، بضم الهمزة والنون بعدها مثلثة ، جمع أنيث ، كغدير وغدر. وحكى الطبري : أنه جمع إناث ، كثمار وثمر. وحكى هذه القراءة أبو عمرو الداني عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : وقرأ بها ابن عباس ، والحسن وأبو حيوة. وعلى جميع هذه القراءات فهذا الكلام خارج مخرج التوبيخ للمشركين ، والإزراء عليهم ، والتضعيف لعقولهم ، لكونهم عبدوا من دون الله نوعا ضعيفا (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) أي : وما يدعون من دون الله إلّا شيطانا مريدا ، وهو إبليس لعنه الله ، لأنهم إذا أطاعوه فيما سوّل فقد عبدوه. وقد تقدّم اشتقاق لفظ الشيطان. والمريد : المتمرّد العاتي ، من مرد :