والمال اللّبد : هو المال الكثير الذي تلبد والتصق بعضه ببعض لكثرته وهو جمع لبدة ـ بضم اللام وسكون الباء ـ كغرفة وغرف ، وهي ما تلبد من صوف أو شعر ، أى : تجمع والتصق بعضه بعض.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) توبيخ لهذا المغرور إثر توبيخ ، وتجهيل في أعقاب تجهيل. أى : أيظن هذا الجاهل المغرور ، حين أنفق المال الكثير في المعاصي والسيئات ، أن الله ـ تعالى ـ غير مطلع عليه؟ إن كان يظن ذلك فهو في نهاية الجهالة وانطماس البصيرة ، لأن الله ـ تعالى ـ مطلع عليه ، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، وسيحاسبه على ذلك حسابا عسيرا.
وفي الحديث الشريف : لن تزل قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن شبابه فيم أبلاه ، وعن عمره فيم أفناه ، وعن ماله من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه.
ثم ساق ـ سبحانه ـ بعد ذلك جانبا من مظاهر نعمه ، على هذا الإنسان الجاهل المغرور. فقال ـ تعالى ـ : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ. وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ. وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ).
والاستفهام هنا للتقرير ، لأن الله ـ تعالى ـ قد جعل له كل ذلك ، ولكنه لم يشكر الله ـ تعالى ـ على هذه النعم ، بل قابلها بالجحود والبطر ..
أى : لقد جعلنا لهذا الإنسان عينين ، يبصر بهما ، وجعلنا له لسانا ينطق به ، وشفتين ـ وهما الجلدتان اللتان تستران الفم والأسنان ـ تساعدانه على النطق الواضح السليم.
واقتصر ـ سبحانه ـ على العينين ، لأنهما أنفع المشاعر ، ولأن المقصود إنكار ظنه أنه لم يره أحد ، ولأن الإبصار حاصل بذاتهما.
وذكر ـ سبحانه ـ اللسان وذكر معه الشفتين. للدلالة على أن النطق السليم ، لا يتأتى إلا بوجودهما معا ، فاللسان لا ينطق نطقا صحيحا بدون الشفتين ، وهما لا ينطقان بدونه.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) بيان لنعمة أخرى هي أجل النعم وأعظمها.
والنجد : الأرض المرتفعة ، وجمعه نجود ، ومنه سميت بلاد نجد بهذا الإسم ، لأنها مرتفعة عن غيرها ... والمراد بالنجدين هنا : طريق الخير. وطريق الشر ، أى : وهدينا هذا الإنسان وأرشدناه إلى طريق الخير والشر ، عن طريق رسلنا الكرام ، وعن طريق ما منحناه من عقل ، يميز به بين الحق والباطل ، ثم وهبناه الاختيار لأحدهما ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).
قال بعض العلماء : وكأنهما إنما سميا نجدين ـ أى : سبيل الخير والشر : لأنهما لما وضحت