وعن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ يكابد الشكر على السراء ويكابد الصبر على الضراء. وقيل : لقد خلقناه منتصب القامة واقفا ، ولم نجعله منكبا على وجهه.
وقيل : جعلناه منتصبا رأسه في بطن أمه ، فإذا أذن له في الخروج قلب رأسه إلى قدمي أمه .. وهذه الأقوال ضعيفة لا يعول عليها ، والصحيح الأول .. (١).
والحق أن تفسير الكبد بالمشقة والتعب ، هو الذي تطمئن إليه النفس ؛ لأنه لا يوجد في هذه الحياة إنسان إلا وهو مهموم ومشغول بمطالب حياته ، وفي كبد وتعب للحصول على آماله ورغباته وغاياته ، ورحم الله القائل :
تعب كلها الحياة فما أعجب |
|
إلا من راغب في ازدياد |
وقال ـ سبحانه ـ (فِي كَبَدٍ) للإشعار بأنه لشدة مقاساته ومكابدته للمشاق والمتاعب ، وعدم انفكاكه عنها .. كالظرف بداخل المظروف فهو في محن ومتاعب ، حتى يصير إلى عالم آخر تغاير أحواله أحوال هذا العالم.
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ. يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً. أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) للإنكار والتوبيخ.
أى : أيظن هذا الإنسان الذي هو في تعب ومشقة طول حياته ، أنه قد بلغ من القوة والمنعة .. بحيث لا يقدر عليه أحد.
إن كان يتوهم ذلك ، فهو في ضلال مبين ، لأن الله ـ تعالى ـ الذي خلقه ، قادر على إهلاكه في لمح البصر ، وقادر على أن يسلط عليه من يذله ، ويقضى عليه.
ويدخل في هذا التوبيخ دخولا أوليا ، أولئك المشركون الذين اغتروا بقوتهم ، فآذوا النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه إيذاء شديدا.
ثم حكى ـ سبحانه ـ جانبا من أقوال هذا النوع الجاحد المغرور من بنى آدم فقال : (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً). أى : يقول هذا الإنسان المغرور بقوته ، والمفتون بماله ، المتفاخر بما معه من حطام الدنيا. يقول ـ على سبيل التباهي والتعالي على غيره ـ لقد أنفقت مالا كثيرا ، في عداوة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفي إيذاء أتباعه ، وفي غير ذلك من الوجوه التي كان أهل الجاهلية يظنونها خيرا ، وما هي إلا شر محض. وعبر ـ سبحانه ـ عن إنفاق هذا الشقي لما له بقوله : (يَقُولُ أَهْلَكْتُ ...). للإشعار ، بأن ما أنفقه من مال هو شيء هالك ، لأنه لم ينفق في الخير ، وإنما أنفق في الشر.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ١٣٥.