نَفَعَتِ الذِّكْرى) مع أنه صلىاللهعليهوسلم مطلوب منه أن يذكر الناس جميعا ، نفعتهم الذكرى أم لم تنفعهم ـ للتنبيه على أشرف الحالين ، وهو وجود النفع الذي من أجله شرعت الذكرى ، كقوله ـ تعالى ـ : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ). وللإشعار بأن المراد من الشرط : البعث على الانتفاع بالذكرى ، كما يقول الإنسان لغيره بعد أن بين له الحق ، قد أوضحت لك الأمر إن كنت تعقل ، فيكون مراده الحض على القبول .. (١).
ويبدو لنا أن المقصود بالآية الكريمة ، تحريض النبي صلىاللهعليهوسلم على المداومة على دعوة الناس إلى قبول الحق الذي جاء به ، فإن هذا التذكير إن لم ينفع الناس جميعا ، فسينفع بعضهم ، فقد اقتضت سنة الله ـ تعالى ـ أن لا تخلو الأرض ممن يستمع إلى الحق ، ويستجيب له.
ويدل على هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) أى : سينتفع بتذكيرك ـ أيها الرسول الكريم ـ من يخشى الله ـ تعالى ـ ويخاف عذابه ، ويرجو ثوابه.
(وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) أى : ويتجنب الذكرى ، ويبتعد عن الموعظة ، ويتجافى عن النصيحة ، الإنسان الشديد الشقاوة والتعاسة ، الذي أبى إلا الإصرار على كفره وعناده ، وخلا من خشية الله ـ تعالى ـ. والمراد بالأشقى : الجنس ، أى : يبتعد عن الانتفاع بالتذكير جميع الأشقياء وهم الكافرون.
وقيل : المراد به الكافر المتوغل في كفره كأبى جهل والوليد بن المغيرة وأشباههما.
وقوله : (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) صفة للأشقى. أى : سيبتعد عن الانتفاع بتذكيرك ـ أيها الرسول الكريم ـ الكافر المصر على كفره ، الذي من صفاته أنه سيصلى وسيلقى في أشد طبقات النار سعيرا وحريقا ، وهي الطبقة السفلى منها.
فوصف النار بالكبرى ، من قبيل التهويل والإنذار للمصرين على كفرهم (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) أى : ثم إن هذا الشقي بعد أن يلقى به في النار الكبرى ، (لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح من العذاب (وَلا يَحْيى) حياة طيبة فيها شيء من الراحة ، بل يبقى هكذا (يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ).
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها ، كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) (٢).
__________________
(١) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ٣٨٢.
(٢) سورة فاطر الآية ٣٦.