إذ هو ـ تعالى ـ على كل شيء قدير ، ولكنه لم يشأ ذلك فضلا منه وكرما.
قال الإمام الشوكانى ما ملخصه : قوله : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) أى : سنجعلك قارئا بأن نلهمك القراءة. فلا تنسى ما تقرؤه ، والجملة مستأنفة لبيان هدايته صلىاللهعليهوسلم الخاصة ، بعد بيان الهداية العامة ، وهي هدايته صلىاللهعليهوسلم لحفظ القرآن.
وقوله : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) استثناء مفرغ من أعم المفاعيل ، أى : لا تنسى مما تقرؤه شيئا من الأشياء ، إلا ما شاء الله أن تنساه ، وهو لم يشأ ـ سبحانه ـ أن ينسى النبي صلىاللهعليهوسلم شيئا كقوله ـ تعالى ـ (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ). وقيل : «لا» في قوله (فَلا تَنْسى) للنهى ، والألف مزيدة لرعاية الفاصلة ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) ، يعنى : فلا تغفل عن قراءته (١).
وقال الإمام الرازي : وهاتان الآيتان تدلان على المعجزة من وجهين :
أحدهما : أن الرسول صلىاللهعليهوسلم كان أميا ، فحفظه لهذا الكتاب المطول عن غير دراسة ، ولا تكرار ، ولا كتبة ، خارق للعادة فيكون معجزا. وثانيهما : أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة. فهذا إخبار عن أمر عجيب غريب مخالف للعادة. سيقع في المستقبل ، وقد وقع ، فكان هذا إخبارا عن الغيب ، فيكون معجزا .. (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) معطوف على قوله (سَنُقْرِئُكَ) وجملة : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) معترضة.
والتيسير بمعنى التسهيل والتخفيف ، وهو جعل العمل يسيرا على عامله بأن يهيئ الله ـ تعالى ـ للعامل الأسباب التي تهون له العسير ، وتقرب له البعيد.
واليسرى : مؤنث الأيسر ، بمعنى الأسهل ، والموصوف محذوف.
والمعنى : سنجعلك ـ أيها الرسول الكريم ـ صاحب ذاكرة قوية تحفظ القرآن ولا تنساه. وسنوفقك توفيقا دائما للطريقة اليسرى في كل باب من أبواب الدين : علما وعملا ، واهتداء وهداية ـ وسنرزقك الأمور الحسنة التي تجعلك تعيش سعيدا في دنياك ، وظافرا برضواننا في أخراك.
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٥ ص ٤٢٤.
(٢) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ٣٨١.