والغثاء : هو اليابس الجاف من النبات الذي ترعاه المواشي.
والأحوى : أى : المائل إلى السواد ، مأخوذ من الحوّة ـ بضم الحاء مع تشديد الواو المفتوحة ـ وهي لون يكون بين السواد والخضرة أو الحمرة. ووصف الغثاء بأنه أحوى ، لأنه إذا طال عليه الزمن ، وأصابته المياه ، اسود وتعفن فصار أحوى.
أى : وهو ـ سبحانه ـ وحده ، الذي أنبت النبات الذي ترعاه الدواب ، حالة كون هذا النبات أخضر رطبا. ثم يحوله بقدرته ـ تعالى ـ بعد حين إلى نبات يابس جاف.
وهذا من أكبر الأدلة المشاهدة ، على أنه ـ تعالى ـ يتصرف في خلقه كما يشاء ، فهو القادر على تحويل الزرع الأخضر إلى زرع يابس جاف ، كما أنه قادر على إحياء الإنسان بعد موته.
فالمقصود من هذه الآيات الكريمة ، الإرشاد إلى كمال قدرته ، وتنوع نعمه ـ سبحانه ـ ، حتى يزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ، وحتى يعود الكافرون إلى رشدهم بعد هذا البيان الواضح الحكيم.
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر فضله على نبيه صلىاللهعليهوسلم فقال : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى. إِلَّا ما شاءَ اللهُ. إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى).
والنسيان : زوال ما كان موجودا في حافظة الإنسان. والاستثناء مفرغ من أعم المفاعيل. ومفعول المشيئة محذوف. جريا على غالب استعماله في كلام العرب ..
أى : سنقرئك ـ أيها الرسول الكريم ـ القرآن على لسان أمين وحينا جبريل ـ عليهالسلام ـ. وسنجعلك حافظا وواعيا لما سيقرؤه جبريل عليك ، بحيث لا تنساه في وقت من الأوقات ، أو في حال من الأحوال ، إلا في الوقت أو في الحال الذي يشاء الله ـ تعالى ـ أن ينسيك شيئا من ذلك. فإنك ستنساه بأمره ـ تعالى ـ لأنه وحده ـ عزوجل ـ هو العليم بما كان ظاهرا من الأشياء ، وبما كان خافيا منها.
فالمقصود من هاتين الآيتين : وعد الله ـ تعالى ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم ببيان أنه ـ سبحانه ـ ، كما أنه قادر على أن يقرئ الرسول صلىاللهعليهوسلم قراءة لا ينساها ، فهو أيضا قادر على أن يزيل من صدره ما يشاء إزالته ، عن طريق النسيان لما حفظه.
فالمراد بهذا الاستثناء : بيان أنه ـ تعالى ـ لو أراد أن يصير الرسول صلىاللهعليهوسلم ناسيا للقرآن لقدر على ذلك ، كما قال ـ سبحانه ـ (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ..)