والمعنى : بل أخبرونى ـ أيها المشركون ـ بعد أن ثبتت غفلتكم وعدم تفكيركم تفكيرا ينفعكم ، من هذا الحقير الذي تستعينون به في نصركم ودفع الضر عنكم ، متجاوزين في ذلك إرادة الرحمن ومشيئته ونصره. أو من هذا الذي ينصركم نصرا كائنا غير نصر الرحمن ، أو من ينصركم من عذاب كائن من عنده ـ تعالى ـ.
والجواب الذي لا تستطيعون جوابا سواه : هو أنه لا ناصر لكم يستطيع أن ينصركم من دون الله ـ تعالى ـ ، كما قال ـ سبحانه ـ (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ، وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ ..)
وكما قال ـ عزوجل ـ : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) كلام معترض بين ما قبله وما بعده ، لبيان حالهم القبيح وواقعهم المنكر.
والغرور : صفة في النفس تجعلها تعرض عن الحق جحودا وعنادا وجهلا. أى ليس الكافرون إلا في غرور عظيم ، وفي جهل تام ، عن تدبر الحق ، لأنهم زين لهم الشيطان سوء أعمالهم ، فرأوها حسنة.
ثم انتقل ـ سبحانه ـ إلى إلزامهم بنوع آخر من الحجج فقال : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) ..
أى : بل أخبرونى من هذا الذي يزعم أنه يستطيع أن يوصل إليكم الرزق والخير ، إذا أمسك الله ـ تعالى ـ عنكم ذلك ، أو منع عنكم الأسباب التي تؤدى إلى نفعكم وإلى قوام حياتكم ، كمنع نزول المطر إليكم ، وكإهلاك الزروع والثمار التي تنبتها الأرض ..
إنه لا أحد يستطيع أن يرزقكم سوى الله ـ تعالى ـ.
وقوله : (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) جملة مستأنفة جواب لسؤال تقديره : فهل انتفع المشركون بتلك المواعظ فكان الجواب كلا إنهم لم ينتفعوا ، بل (لَجُّوا) أى تمادوا في اللجاج والجدال بالباطل و (فِي عُتُوٍّ) أى : وفي استكبار وطغيان ، وفي (نُفُورٍ) أى : شرود وتباعد عن الطريق المستقيم.
أى : أنهم ساروا في طريق أهوائهم حتى النهاية ، دون أن يستمعوا إلى صوت نذير أو واعظ أو مرشد.
ثم ضرب ـ سبحانه ـ مثلا لأهل الإيمان وأهل الكفر ، وأهل الحق وأهل الباطل ، فقال