ـ سبحانه ـ : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى ، أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
والمكب : هو الإنسان الساقط على وجهه ، يقال : كبّ فلان فلانا وأكبه ، إذا صرعه وقلبه بأن جعل وجهه على الأرض .. فهو اسم فاعل من أكب.
وقوله : (أَهْدى) مشتق من الهدى ، وهو معرفة طريق الحق والسير فيها ، والمفاضلة هنا ليست مقصودة ، لأن الذي يمشى مكبا على وجهه ، لا شيء عنده من الهداية أو الرشد إطلاقا حتى يفاضل مع غيره ، وفيه لون من التهكم بهذا المكب على وجهه.
و «السوى» هو الإنسان الشديد الاستواء والاستقامة ، فهو فعيل بمعنى فاعل.
ومنه قوله ـ تعالى ـ حكاية عما قاله إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لأبيه : (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا) أى : مستويا.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى ...) : هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر ، فالكافر مثله فيما هو فيه ، كمثل من يمشى مكبا على وجهه ، أى : يمشى منحنيا لا مستويا على وجهه ، أى : لا يدرى أين يسلك ، ولا كيف يذهب ، بل هو تائه حائر ضال ، أهذا أهدى (أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) أى : منتصب القامة (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أى على طريق واضح بين ، وهو في نفسه مستقيم وطريقه مستقيمة.
هذا مثلهم في الدنيا ، وكذلك يكونون في الآخرة ، فالمؤمن يحشر يمشى سويا على صراط مستقيم .. وأما الكافر فإنه يحشر يمشى على وجهه إلى النار ..
وروى الإمام أحمد عن أنس قال : قيل يا رسول الله ، كيف يحشر الناس على وجوههم؟ فقال : «أليس الذي أمشاهم على أرجلهم قادرا على أن يمشيهم على وجوههم» (١)؟.
وقال الجمل : هذا مثل للمؤمن والكافر ، حيث شبه ـ سبحانه ـ المؤمن في تمسكه بالدين الحق ، ومشيه على منهاجه ، بمن يمشى في الطريق المعتدل ، الذي ليس فيه ما يتعثر به ..
وشبه الكافر في ركوبه ومشيه على الدين الباطل ، بمن يمشى في الطريق الذي فيه حفر وارتفاع وانخفاض ، فيتعثر ويسقط على وجهه ، وكلما تخلص من عثرة وقع في أخرى.
فالمذكور في الآية هو المشبه به ، والمشبه محذوف ، لدلالة السياق عليه .. (٢).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢٠٨.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٨٠.