ويضممن أجنحتهن تارة على سبيل الاستظهار بها على شدة التحرك في الهواء .. (ما يُمْسِكُهُنَ) في حالتي البسط والقبض (إِلَّا الرَّحْمنُ) الذي وسعت رحمته وقدرته كل شيء ، والذي أحسن كل شيء خلقه ..
(إِنَّهُ) ـ سبحانه ـ (بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) أى : إنه ـ سبحانه ـ مطلع على أحوال كل شيء ، ومدبر لأمره على أحسن الوجوه وأحكمها ..
قال صاحب الكشاف : (صافَّاتٍ) باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ، لأنهن إذا بسطنها صففن قوادمها صفا (وَيَقْبِضْنَ) أى : ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن.
فإن قلت : لم قيل (وَيَقْبِضْنَ) ولم يقل : وقابضات؟
قلت : لأن الأصل في الطيران هو صف الأجنحة ، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء ، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها. وأما القبض فطارئ على البسط. للاستظهار به على التحرك ، فجيء بما هو طارئ غير أصل بلفظ الفعل ، على معنى أنهن صافات ، ويكون منهن القبض تارة كما يكون من السابح .. (١).
والمراد بإمساكهن : عدم سقوطهن إلى الأرض بقدرته وحكمته ـ تعالى ـ حيث أودع فيها من الخصائص ما جعلها تطير في الجو ، كالسابح في الماء.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ ..) (٢).
ثم لفت أنظارهم للمرة الثانية إلى قوة بأسه ، ونفاذ إرادته ، وعدم وجود من يأخذ بيدهم إذا ما أنزل بهم عقابه فقال : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ).
والاستفهام للتحدى والتعجيز ، وأم منقطعة بمعنى بل ، فهي للإضراب الانتقالى من غرض إلى آخر ، ومن حجة إلى أخرى.
ومن اسم استفهام مبتدأ ، وخبره اسم الإشارة ، وما بعده صفته.
والمراد بالجند : الجنود الذين يهرعون لنصرة من يحتاج إلى نصرتهم. ولفظ (دُونِ) أصله ظرف للمكان الأسفل .. ويطلق على الشيء المغاير ، فيكون بمعنى غير كما هنا ، والمقصود بالآية تحقير شأن هؤلاء الجند ، والتهوين من شأنهم.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٨١.
(٢) سورة النحل آية ٧٩.