ولا صباح أزله أبده وأبده أزله ، أراد انفراده عن كل مراده وبلوغه إلى كمال تربيته ليقوي أن يقف على مسيل قلزم القدم وعلى مصب طوفان الأزل وعلى مهب صرصر العظمة.
ولولا أنه تعالى أكساه أنوار قربه لذاب في ميقات ربه وقته وقتاله معينا النيل مراده وذلك علّة البقاء البشرية وإلا لكل نفسه له فيه وقت وكشف وخطاب جاء لميقاتنا واحتجب عنا بالميقات ، ولو جاء لنا صرفا ما احتجت عنا أسرى حبيبة إلى الملكوت بالبديهة إلا بالميقات وسرى به ، إليه ولم يبق في همته ذكر الزمان والمكان من استغراقه في بحر هموم طلبه رؤية القدم بلا سؤال ولا حركة ولا إشارة ولا عبارة ولا جرم ، لم يبق بينه وبين الله وقت ولا زمان ولا مكان ، وأراه بعين وهيها له منه وأسمع كلامه بسمع أعطاه إياه منه خص في الأزل كليمه بسماع كلامه.
قال تعالى : (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) لمّا لم يجد في مسامع أسراره مسامع حديث النفس والوسواس ، ألبس سمعه لباسا من سمعه ، فأسمع كلامه بسمعه ، ولو لا ذلك كيف يسمع كلام القديم بسمع المحدث؟
وفي قوله تعالى : (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) إشارة إلى تفضله لموسى عليهالسلام لما جاء بنعت الشوق والهيمان والعشق والهيجان بخطرات الوالهين إلى موعد رب العالمين ، وصار موسى عليهالسلام فانيا عن موسى عليهالسلام ولم يبق في موسى عليهالسلام إرادة موسى عليهالسلام بنعت التحيّر في موقف الفناء على جناب القدم والبقاء ، ولم يعلم من تحيره أين هو؟ وأين يطلب؟ وأين يفرّ؟ حيث لا حيث علم سبحانه أنه في ذهاب الذهاب ، فكلمه بالبداهة فطار سرّ موسى عليهالسلام في هواء الهوية ، وطار روح موسى عليهالسلام في سماء الديمومية ، وطار عقل موسى عليهالسلام في فقار الأحدية ، وطار قلبه في أنوار الوحدانية ، وكان كلا شيء الأول كلام التعظيم والهيبة والآخرة كلام اللطف والبسط ففنا في الأول وبقي في الثاني ، ولولا لطفه وكرمه بكليمه كان يتلاشى في أول خطاب ، ولكن من عطفه ورحمته أسمع عجائب كلامه كليمه ؛ ليعرفه بكلامه لأن كلامه مفاتيح لكنوز الصفات والذات.
ولولا اصطفائيته الأزلية لموسى عليهالسلام واختياره بالتكليم معه ، وأنه لم يخل في طول عمره عن كلامه ووحيه وإلهامه في كل نفس لم يبق في الميقات عند بداهة خطابه أثره وبصفه لذة كلامه وحلاوة خطابه يا ليتني لو أن لي لسانا أزليّا من ألسنة القدم ، لأصف به تلك الحلاوة ؛ لكن لا يفهم من لم يذق طعمه ، ولمّا طاب ذقته من لذيذ خطابه سكر من شراب بحر وصاله ، هاج شوقه إلى طلب مزيد القربة وكشف المشاهدة ؛ فأطلق لسان البسط وخطا خطوات الانبساط وهتك ستر الحياء عن وجه المحبة ، وغاص في بحر الجرأة ، حتى كان حاله ما أخبر