جعلناهنّ تاريخ الليالي |
|
وعنوان المسرّة والأمان |
وعده وجعل الأيام الخطاب ميقاتا لمزيد شوقه وزيادة خوفه وهيجاته.
قيل لأبي بكر بن طاهر : ما بال موسى عليهالسلام لم يجع حين أراد أن يكلم ربه وجاع في نصف يوم حين أراد أن يلقي الخضر ، فقال : (آتِنا غَداءَنا) [الكهف : ٦٢] ، فقال لأنه في الأول أنساه هيبة الموقف الذي ينتظره الطعام والشراب ، والثاني كان سفر التأديب ، فزد البلاد على البلاء حتى جاع في أقل من نصف يوم ، والأول كان أوقات الكرامة ولمّا أراد المسير إلى الله والذهاب إلى مواعد قربه ومناجاته جعل أتيته هارون عليهالسلام خليفته في قومه غيره على وقته وعلى محبوبه لئلا يكون معه غيره في سماع أسرار الأزل والأبد بقوله : (وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي).
استخلف لهارون عليهالسلام بالشريعة وانفرد عنه في مقام الحقيقة ؛ لأن الحقيقة لا تقبل الغير في البين ولا يكون العشق بالشركة ؛ لأن العشق يغير عن العاشق دون معشوقه ، وكان لهارون عليهالسلام علم غيرة أخيه فاستقبل الخلافة ولم يعارضه ، وإن كان ميل قلبه بصاحبته في الحضرة ، ولكن تحمل من حلمه أثقال الفراق لصحة المؤاخاة ، وصدق الإرادة.
وقال الأستاذ : لما كان المرور إلى فرعون استصحب موسى عليهالسلام هارون عليهالسلام ، فقال الله سبحانه : (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه : ٣٢] ، ولمّا كان المرور إلى سماع الخطاب أفرده عن نفسه ، فقال : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) ولهذا غاية الحلم من هارون عليهالسلام ونهاية الرضا ، ولهذه من شديدات بلاء الأحباب وفى قريب منه أنشد قال لي مراحب :
والبين قد جد ودمعي موافق الشهيقي |
|
ما ترى في الطريق تصنع بعدي |
قلت أبكي عليك طوال الطريق |
وفي الآية دليل أن للأولياء خلفاء ونجباء ونقباء يستنون بسنتهم ويقتدون بأسوتهم ويبلغون الى درجاتهم بصدق إرادتهم.
قال محمد بن حامد : لم يزل الأنبياء والأولياء خلفاء يخلفهم في من بعدهم من أمتهم وأصحابهم ويكون هداهم على هداهم ، يحفظون على أمتهم ما يضيعونه من سنتهم وأن أبا بكر كان هو القائم بهذا المقام بعد النبي عليهالسلام ، ولو لم يقم لهؤلاء يثبت سنين منها محاربة أهل الردّة وغير ذلك ، ولما خرج من أوطان البشرية وترك علّة الرفقة واستقام في الشوق إلى المشاهدة ، وهرب إلى الخالق من الخليفة ، أخبر الله سبحانه عن ذهاب كليمه إليه وإلى ميقات قربه وصاله بوعده بقوله : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا) كيف له ميقات وليس عنده مساء