الله سبحانه عند بقوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ).
غلب عليه مواجيد الوصالية فخرج من مشيمة الأمر وأسقط في مقام العشق والسكر رسوم الأدب فسكره استنطقه بطلب دنو الدنو وشهوده عين العين ؛ لأن نسيم برد المشاهدة يحويه بلطائف الوصلة ، فلم يبق له قرار ولم يجد من ساكن السكر مفرا ، وكيف يكون السكون للعاشق عن طلب مشاهدة المعشوق في فنائه؟ حيث دنا الشائق من المشوق وأنشد في معناه :
وأبرح ما يكون الشوق يوما |
|
إذا دنت الخيام من الخيام |
والله لولا موسى عليهالسلام أي جمال الحق في كشوفات الغيبية بفنون ألوان قمص الصفاتية وبروز سبحات الذاتية ، ولو لا أن رآه في مقام الالتباس في رؤية كل ذرة من العقل إلى الثرى من مرآة الوجود لم يجد إلى طلب مشاهدة الصرف سبيله ؛ لذلك وجبت الرؤية ولولا أن الرؤية حق الإبصار ، نظر المعرفة ما سأل كليم الله ما خفي عن الخليقة ، فلولا رجاء الوصل ما عشت ساعة ، ولولا مكان الطيف لما تهجع لم يذق الله طعم وصاله ، من له منية غير لقائه.
مناي من الدنيا لقاؤك مرة |
|
فإن نلتها استوفيت كل منايا |
سلبت فؤادي كى تكون مكانه |
|
فكوني أو فاردد عليّ فؤاديا |
قال جعفر الصادق : أسمع الحق عبده موسى عليهالسلام كلامه بلسان الرحمة والعطف أولا ؛ لأنه مردود بنفسه إلى الله ، ثم أسمعه بلسان جوده وكرمه ثانيا ، وهو أيضا مردود إلى نفسه.
قال أبو سعيد الخراز : من غيرة الله تعالى أنه لم يكلم موسى عليهالسلام إلا جوف الليل وغيبه عن كل ذي حس حتى لم يحضر كلامه معه سواه وكذلك محادثته مع الأنبياء.
وقال القرشي : إنما كلم الله موسى عليهالسلام بإياه ، ولو كلم على حد العظمة لذاب وصار لا شيء.
قال جعفر : سمع كلامه خارجا عن بشريته وأضاف الكلام إليه وكلمه من نفسية موسى عليهالسلام وعبوديته فغاب موسى عليهالسلام عن نفسه وفنيّ عن صفاته وكلمه ربه من حقائق معانيه فسمع موسى عليهالسلام صفة موسى عليهالسلام من ربه ومحمد صلىاللهعليهوسلم سمع من ربه صفة ربه ، فكان أحمد المحمودين عند ربه ومن هذا كان مقام محمد المنتهي ، ومقام موسى عليهالسلام الطور ومذ كلم الله موسى عليهالسلام على الطور أفنى صفتها ، فلم يظهر فيها الثبات ولا تمكين لأحد عليها.
قال الحسين : في هذه الآية قال أزال عنه التوقيف والترتيب ، وجاء إلى الله لله على ما دعاه إليه وأراده له واجده عليه وأوجده منه وأظهره عليه ، ببذل الجهد والطاقات وركوب الصعب والمشقات ، فلمّا لم يبق عليه باقية بها يمتنع أقيم مقام المواجهة والمخاطبة ، وأطلق مضغة لسان المراجعة والمطالبة ، أما سمعت قوله قبل هذا الحال طالبا منه لمّا طولع بحال