كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠) وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١))
قوله تعالى : (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا) أخبر الله سبحانه عن نقض عهد المفسدين بعد رؤيتهم وضوح الآيات ، وظهور المعجزات ، ونيرات الكرامات ، وذوقهم طعم العذاب في البليات جحودا وإنكارا بعد علمهم بصدق الرسالة والنبوة والولاية ، لمّا وقعوا في ورطة الهلاك التجئوا إلى نبي الله عليهالسلام بعد جفائهم به ، فلم ينفع التجاؤهم وتوبتهم لمّا سبق لهم في قديم العلم من الشقاوة ، ولأنفذ فيهم سهام الهمة النبوية ، وهكذا شأن من جفا المشايخ برعوناتهم وسوء آدابهم لا ينفعهم استعانتهم بالقوم.
قال القاسم : من لا يراع أسرار الأولياء في الأوقات لا ينفعه اللجوء إليهم في أوقات البلاء ، ألا ترى كيف لم يوثر على أصحاب فرعون اللجوء إلى موسى عليهالسلام في اعتقاد المخالفة.
قال الله : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) ، وقوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) معنى الآية في وارد الحكم أن الكلمة صفته الأزلية ، وهي ذكر الله إياهم في سابق العلم بالتوفيق في عبوديته الخالصة ، وقبولهم امتحانه وبلاه بنعت الصبر والرضا ، وذلك عطاء محض ، حيث تمت تلك النعمة منه تعالى في الأزل لهم.
قيل : وقوع الفعل والجزاء والصبر والرضا فإن من تمام النعمة أن سبقت كلمة الله بنعت إتمام الدرجات لهم قبل وجودهم ؛ فالكلمة تمت بإعطائهم المعرفة والتوفيق في الطاعة ، ليس عناية الله الأزلية متعلقة بصبرهم واحتمالهم الجفاء ، فإنهما ميراث كلمة الحسنى التي سبقت بالعناية لهم ولو لا ذلك لما صبروا ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) [النحل : ١٢٧] ، أي : بالله تصبر وقوله : (وَتَمَّتْ) ، أي : تمت العناية بلا علّة الاكتساب