الْمُلْقِينَ (١١٥) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (١٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤))
قوله تعالى : (وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) إن الله سبحانه ألبس أولياءه لباس أعدائه امتحانا لهم ولغيرهم ، فأرشدهم بقهره إلى لطفه ؛ إذ الأصل فيهم سبق اصطفائيتهم في الأزل ، كانوا ممتحنين محجوبين من رؤية اللطف بحجاب القهر ، فلمّا أتوا بالسحرية آلوا التقرب من فرعون من رأس الطبيعة وجرى في الأزل قربهم من رؤية الحق سبحانه ، فنطق الله على لسان عدوه إخبارا عن سابق العناية للسحرة بقوله : (نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) المنطق بالخبر هو الله سبحانه وإن لم يعرفوا مكان الخطاب ، ولكن جرى على وفق العناية خبر الغيب علمهم ، وفرعون في البين واسطة ، وحقيقة الخطاب من الله سبحانه.
قال بعضهم : دعا فرعون السحرة إلى القرب منه ، وجرى لهم في الأزل مقام القرب من الحق.
قال فرعون : إنكم لمن المقربين إلى منازل الأبرار وبعد وأمن قرب الأشقياء.
قوله تعالى : (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) السحر الحقيقي من عالم الفعل بواسطة الكسب البشري ، والمعجزة من عالم القدرة القديمة ، ولمّا ظهرت الصفة تلاشت معالم الاكتساب وغابت تواثير الفعلية.
قال السوسي : أظهر الحق لطيفة من صنعه في خشية عجز السحرة عنها ، وجعلها سببا لنجاتهم ، فقال : (فَوَقَعَ الْحَقُ) بإظهار القدر في جماد وبطل ما كانوا يعملون من الأباطيل ، ولمّا ظهر قهر القدم بلباس العظمة من عصا موسى عليهالسلام ، وانهزموا من سطوات العظمة ويا ليتهم لو ثبتوا ورأوا مشاهدة جلاله من لباس عظمته الذي تجلّى من العصا يكون حالهم كحال السحرة ، لكن غابوا في بحر ضلال الأزل ولم يوقفوا بما وفق السحرة عندما كوشف لهم وجه جلال القدم ، فرأوه بلا حجاب فألقوا أنفسهم بنعت الإذعان له عشقا ومحبة وشوقا إلى تلك المشاهدة بما أخبر الله عن شأنهم بقوله : (فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ وَأُلْقِيَ