فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ (١١٠) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢) وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣))
قوله تعالى : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) لما تعاين معجزته وثبت سلطانه تكلم بالانبساط وتلفظ بالهيبة وادعى بالحقيقة ؛ لأنه كان في مشهد القرب والمشاهدة ، وأخبر أنه ينطق بالحق للحق في الحق مع الحق ؛ لأن الحق كان ينطق بلسانه وما نطق إلا بما يليق بالحق ، ومن بلغ مقام الحقيقة فيظهر الحق منه ، للحق فجميع حركاته وسكونه ونطقه وسكوته قام بالحق بوصف المشاهدة لا بوصف الغيبة.
قال ابن عطاء : من تحقق بالحق ؛ فإنه لا يقول على الحق إلا بما يليق بالحق.
وقال الخراز : سبيل الواصلين إلى الله لا يتكلم إلا عن الحق ، ولا يسمع إلا من الحق ولا ينطق إلا بحق ، فإن حقائق الحق إذا استولت على أسرار المتحققين أسقطت عنهم سوى الحق ولا يبلغ أحد من هذه الدرجات شيئا حتى يستوفي الحق أوقاته عليه ومنه فيبقى ولا وقت له ولا حال حينئذ ، والله أعلم.
وقال الأستاذ : من إذا لم يصح له أن يقول على الحق إلا الحق والخلق محو فيما هو الموجود الأزلي ، فأي سلطان لآثار التفرقة في حقائق الجميع.
قوله تعالى : (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) ظهر سبحانه بصفات الفعلي عن العصا وألبسها بعد قلبها لباس فعل العظمة لتخويف الكفرة ، وهرب السحرة ، وأكل المخابيل ، وظهر بنور الصفة من يد موسى عليهالسلام لفتح أبصار الإيقان والإيمان بأنوار صفاته في إظهار البرهان ؛ لأن الجماد محل تصرف فعل العام من طريق الأمر القائم به ، والحيوان محل تصرف فعل الخاص القائم بالصفة لأنه معدان أرواح الطباعية ، والإنسان محل تصرف الصفة القائمة بذاته الأزلي ؛ لأنه أشرف المواضع من العرش إلى الثرى لمحله من العقل القدسي ، والقلب الملكوتي ، والروح القدسية ، ظهر بالفعل عن العصا للعموم وظهر بالصفة عن موسى عليهالسلام للخصوص ، وعرف موسى عليهالسلام عجزه في قدرته ، حيث انقلب عصاه بغير اختياره ، وخرجت يده نورانية بغير اختياره ، وكان ذلك أعظم في صدق معجزته حيث لا اختيار له فيه. [سورة الأعراف (٧) : آية ١١٤]
(قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ