سحاب تجلي الذات لأحياء بلادة قلوبهم الميتة بجذب كشف القدم بقوله : (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) لا يستقل حمل أثقال تجلّي الذات إلا رياح تجلّي الصفات ، ولا يقدر سوق أنوار القدم إلا القدم ، ولا يقدر سقي زلال بحر الآزال إلى عطاش شراب الحيرة إلا الأزل ، ولا يقدر أن يخرج من بلاد القلوب ثمار أشجار الغيوب إلا علام الغيوب بقوله : (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) ثمرات المقامات والحالات والمكاشفات والمشاهدات.
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد |
|
لقد زادني مسراك وجدا على وجد |
قال بعضهم : كل ريح تنسم نوعا من الرحمة ؛ فريح التوبة تنشر على القلب رحمة المحبة ، وريح الخوف تنشر رحمة الهيبة ، وريح الرجاء تنشر رحمته الأنس ، وريح القرب تنشر برحمته الشوق ، وريح الشوق تنشر نيران القلق والوله ، قال الله : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ).
قال الأستاذ : تباشر التقرب بتقديم فينادي نسيمه إلى مشام الأسرار.
قال قائلهم :
ولقد تنسمت الرياح لحاجتي |
|
فإذا لها من راحتيك نسيم |
وقال الأستاذ في قوله حتى إذا قلت : (سَحاباً ثِقالاً) الإشارة تحصل لمهجور تمادى به الصد وبرح به الوجد وأنحل جسمه ، بل أبطل كله البعد فيأتيه بشير القرب فيعود عودا ووصله بعد الذبول طريا وبصيرا وأرس حاله عقب السقوط قويا كما قال قائلهم :
كنّا كمن ألبس أكفانه |
|
وقرب النّعش من الملحد |
فحال ماء الروح في جسمه |
|
فردّه الأصل إلى المولد |
تبارك الله سبحانه ماكرهم هو بالسرمد ، وذكر سبحانه القلب الذي هو بلد الله الذي مطر عليه من بحر امتنانه ، ويخرج منه نبات ألوان الحالات والمقامات ، ويذكر ما هو بخلافه الذي فيه سجة الشهوات وشوك حظوظ البشريات بقوله : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) إلا يا أخي أرض القلوب تنبت أزهار المواجيد ورياحين المواريد بقدر كشوف أنوار الصفات والذات ، فكل قلب بذرة المحبة فنباته المشاهدة ، وكل قلب بذرة الشوق فنباته الأنس والوصال ، وكل قلب بذرة العشق ونباته كشوف الجلال والجمال ، وكل قلب بذرة الهوى فنباته الشهوات ؛ فالقلب المنور يظهر على الجوارح آثار المحبة وهي الموافقة ، وكل قلب مظلم يظهر بالظاهر آثاره وهي المخالفة.