الذين يقربون منه بقوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (١).
قيل في قوله : (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) أي : خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه.
وقيل : خوفا من بعده وطمعا في قربه.
وقيل : خوفا من أعراضه وطمعا في إقباله.
وقيل : خوفا منه وطمعا فيه.
قيل : المحسن من كان حاضر بقلبه غير لاه عن ربه ولا ناس لحقه.
ثم وصف الله نفسه بإنشاء مبشرات قربه من بطنان غيبة لوصول النسائم ورد مشاهدته إلى مشام أرواح عاشقيه ، وأفئدة مشتاقيه ، وأسرار وصليه ، وقلوب محبيه ، والباب مريديه.
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨) لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣))
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) يرسل نسيم وصاله في أسحار أصباح طلوع جلاله إلى مشام المستأنسين بشهوده في سجودهم لزيادة عطش شوقهم إلى وابل بحر مشاهدته من سحائب قربته وزلفته قدام ظهور سحاب صفاته التي تتجلّى من بحر ذاته للأرواح العاشقة ، وتسقيها من بروق الوداد ما لا يستقر بشربها الأرواح في الأكوان والحدثان ، بل تطير في فضاء البقاء وهواء القدم بأجنحة الآزال والآباد أظهر بلطفه ومحبته رياح تجلّي الصفات قبل ظهور تجلّي الذات ؛ لإعلام قوانيط القبض ببروز
__________________
(١) مصدران في موقع الحال أي خائفين من الرد لقصور أعمالكم وعدم استحقاقكم وطامعين في إجابته تفضلا وإحسانا لفرط رحمته. تفسير حقي (٤ / ١٦٩).