ثم أشار تعالى إلى تبديل الأخلاق ونشر الأفضال وثبوت المقامات وطيران الأحوال بالإرادة السابقة والمشيئة الأزلية المنزّهة عن التغاير في التدبير ، بل هو موصوف بأصل التقدير بقوله : (كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) لقوم يعرفون المشكور قبل وجود الآلاء والنعماء ، يجدونه شاكر أنعامه بنفسه فيخجلون عن شكره بعرفانهم بعجزهم عن محل شكره.
قال أبو عثمان : أسعد الطيب مثل قلب المؤمن التقي يخرج نباته بإذن ربه يظهر على الجوارح أنوار الطاعات والزينة بالإخلاص والذي خبث قلب الكافر لا يظهر منه إلا النكد والشؤم والظلمات على الجوارح من إظهار المخالفات.
وقال الواسطي : البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه أي بتوليه ، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا حجب عن التجلّي والخطاب كذلك نصرف الآيات ، كذلك تحرق الشمس طوائف من النبات وتنبتها وتغذي طوائف من النبات وتطيبها ، وذلك على قدر جوهرها ، كما أن بإرادة واحدة ظهرت المخالفات والموافقات.
قال بعضهم : البلد الطيب الذي طيبها بدوام الأمن وعدل السلطان.
ويقال : النسيم الساطع يدل إلى الجوهر اللازم ، إن خبث الجوهر لم يطلب ما لم يحل منه وإن طاب العنصر ، فالحر يحاكي أصله ، والأسرة تدل على السريرة ، فمن صفا ساكن قلبه زكي ظاهر فعله ، ومن كان بالعكس فحاله بالصد.
وقال الأستاذ : وإذا زكى الأصل بماء الفرع.
قال بعضهم : هو قلب المؤمن الذي طهره الله وطيبه طهر الله الروح بماء القربة ، وطيبه بطيب الكرامة ، وطهر القلب بماء العلم ، وطيب السرّ بنور المعرفة ، وطهر اللسان بالصدق والذكر ، وطهر الجوارح بماء العظمة وطيبتها بنور التوفيق.
قوله تعالى : (وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أعرّفكم طريق عرفان ربكم وأرشدكم إلى مشاهدة ربكم وتعطفه ولعلمه على عباده.
واعلم من الله من لطائف بره وجميل عطفه وكشوف صفاته وجمال ذاته وحلاوة مشاهدته ، ولذيذ خطابه ما لا تعرفونها ، ما وصل إليه يكون في ملك لا يبلى وسعادة لا تفنى ، ومن حرم من الوصول إليه يكون في بلاء وحجاب وضلال ، لا ينقضي محبها أبدا.
قال بعضهم : أنصح لكم أدلكم على طريق رشدكم ، واعلم من الله ما لا تعلمون من سعة رحمته قبول التوبة لمن رجع إليه بالإخلاص.
(فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (٦٤) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ